يقول أديب إسبانيا العظيم «ميغيل دي ثيربانتس» في الفصل التاسع والخمسين من الجزء الثاني لروايته الخالدة «دون كيخوته»: «ليس هناك كتاب يخلو من حسنة مهما بلغ من الرداءة»، وأحسب أن مقولة الروائي الإسباني العظيم تنطبق على كتاب «الحرية أو الطوفان» للدكتور الفاضل «حاكم المطيري»، فرداءة هذا الكتاب واضحة جلية لا تخطئها عين بصيرة، وأما حسنة الكتاب فمازلت في طور البحث عنها ولمّا أعثر عليها بعد! ليس عندي أدنى أشك في أن كتاب الدكتور «المطيري» يملأ فراغاً في المكتبة العربية، ولو كنت مكان «الناشر» لاخترت «الفراغ» بدلاً من نشر الكتاب! قد يتهمني القارئ بالتحيز وعدم الموضوعية، وهي تهمة أقبل سماعها ولا أقرّ بصحتها، ولدي من الحجج ما يدفع عني هذه التهمة ويبطلها، ولكني لست بصدد الدفاع عن نفسي الآن، إنما أريد من خلال هذا المقال تقديم قراءة خاصة لكتاب «الحرية أو الطوفان».
يقسم الكاتب الخطاب السياسي الشرعي إلى ثلاث مراحل: المنزّل، والمؤول، والمبدّل. أما الخطاب السياسي الشرعي المنزّل فيمتاز بصون حقوق الأمة السياسية والمدنية، وأما الخطاب المؤول فيتسم بضياع الحقوق السياسية مع البقاء على الحقوق المدنية، وذلك من خلال بروز ظاهرة الحاكم «المستبد العادل»، وأما الخطاب المبدل فيشير إلى مرحلة ضاعت فيها حقوق «الأمة» السياسية والمدنية. محور الخلاف بين الدكتور «حاكم» وبعض الكتّاب السلفيين من «أنصار السلطة السياسية» يرتبط بمرحلة الخطاب السياسي الشرعي المؤول، والقضية الرئيسة في هذا الخلاف تنحصر في مدى مشروعية الخروج على الحاكم، وهي قضية لاتعنيني هنا، إنما الذي يعنيني هو مفهوم «الحقوق المدنية» كما جاء في كتاب الدكتور «حاكم»، وسأتطرق إلى هذه النقطة لاحقاً من خلال المقالات القادمة.
أعلم أن الدكتور «حاكم المطيري» أتم دراسته العليا في جامعة بريطانية، ولكني لا أجد بين ثنايا كتابه ما يدل على هذه الحقيقة، فإلى جانب إسرافه في النقل عن الآخرين، يتعامل الدكتور مع هذا الكم الهائل من المنقولات على أنها مسلمات، دون أن يكلف نفسه إخضاع ما يقوله الآخرون إلى أدوات التحليل والنقد- أستغفر الله، بل إن الدكتور يتخذ من كلام الأولين حجة له وبرهاناً على صحة الآراء التي يتبناها! سأكتفي هنا بذكر مثالين فقط، ففي الصفحة رقم 109، وبعد الاكتفاء بسرد قائمة من الأحداث التي تناقلتها كتب التاريخ، يصرح الكاتب بكل ثقة: «وكل ما سبق ذكره يؤكد مدى رسوخ مبدأ حماية الحقوق والحريات الفردية في الخطاب السياسي الشرعي في هذه المرحلة»! المثال الآخر نجده في الصفحة 249، فبعد أن سرد الكاتب قائمة طويلة ممن توفاهم الله من الخلفاء والملوك والأمراء، وبعد أن قطع بعدلهم وحسن سيرتهم استناداً إلى كتب التراث، يستنتج الكاتب من دون تردد قائلا «وكل ماسبق ذكره يؤكد بروز ظاهرة المستبد العادل في هذه المرحلة التي تعد أحد أسباب الحضارة الإسلامية واستمرارها»!
لو اعتمدنا طريقة الدكتور «حاكم» في كيفية بناء الحجة العلمية، فإن الوصول إلى أي استنتاج يصبح في غاية السهولة، إذ لن نحتاج عندها إلا إلى القدرة على اختيار ما يتناسب مع الاستنتاج المراد التوصل إليه من ضمن كتب التراث، ولعل الدليل على تهافت هذا المنهج في البحث العلمي هو أنك تستطيع من خلاله التوصل إلى استنتاجين متناقضين؛ فمَن أراد- مثلاً- التأكيد على وجوب الخروج على الحاكم بإمكانه الاستناد إلى كتب التراث، ومن أراد التأكيد على عدم وجوب هذا الأمر فبإمكانه أيضا اللجوء إلى كتب التراث. إذا كان القارئ يشكك في صحة ما أقول، فإني أدعوه إلى قراءة الحوار السلفي-السلفي حول أي قضية جدلية.
أعلم أيضا أن الدكتور «المطيري» لم يذهب إلى بريطانيا إلا بعد أن تشبع عقله بالفكر السلفي، ولكن من المؤسف حقاً أن تفشل تجربة الدراسة في بريطانيا في تهذيب سلفية الدكتور واعتماده على النقل من دون إعمال العقل!
في وقتنا الحاضر، لايستطيع أي رجل دين مسيحي الاكتفاء بالإحالة إلى ما ورد في «الإنجيل» للتدليل على صحة رأيه، ذلك أنه يعلم جيدا أن الإحالة إلى النصوص لاتتناسب مع مخاطبة العقول!
يتبع،،،
يقسم الكاتب الخطاب السياسي الشرعي إلى ثلاث مراحل: المنزّل، والمؤول، والمبدّل. أما الخطاب السياسي الشرعي المنزّل فيمتاز بصون حقوق الأمة السياسية والمدنية، وأما الخطاب المؤول فيتسم بضياع الحقوق السياسية مع البقاء على الحقوق المدنية، وذلك من خلال بروز ظاهرة الحاكم «المستبد العادل»، وأما الخطاب المبدل فيشير إلى مرحلة ضاعت فيها حقوق «الأمة» السياسية والمدنية. محور الخلاف بين الدكتور «حاكم» وبعض الكتّاب السلفيين من «أنصار السلطة السياسية» يرتبط بمرحلة الخطاب السياسي الشرعي المؤول، والقضية الرئيسة في هذا الخلاف تنحصر في مدى مشروعية الخروج على الحاكم، وهي قضية لاتعنيني هنا، إنما الذي يعنيني هو مفهوم «الحقوق المدنية» كما جاء في كتاب الدكتور «حاكم»، وسأتطرق إلى هذه النقطة لاحقاً من خلال المقالات القادمة.
أعلم أن الدكتور «حاكم المطيري» أتم دراسته العليا في جامعة بريطانية، ولكني لا أجد بين ثنايا كتابه ما يدل على هذه الحقيقة، فإلى جانب إسرافه في النقل عن الآخرين، يتعامل الدكتور مع هذا الكم الهائل من المنقولات على أنها مسلمات، دون أن يكلف نفسه إخضاع ما يقوله الآخرون إلى أدوات التحليل والنقد- أستغفر الله، بل إن الدكتور يتخذ من كلام الأولين حجة له وبرهاناً على صحة الآراء التي يتبناها! سأكتفي هنا بذكر مثالين فقط، ففي الصفحة رقم 109، وبعد الاكتفاء بسرد قائمة من الأحداث التي تناقلتها كتب التاريخ، يصرح الكاتب بكل ثقة: «وكل ما سبق ذكره يؤكد مدى رسوخ مبدأ حماية الحقوق والحريات الفردية في الخطاب السياسي الشرعي في هذه المرحلة»! المثال الآخر نجده في الصفحة 249، فبعد أن سرد الكاتب قائمة طويلة ممن توفاهم الله من الخلفاء والملوك والأمراء، وبعد أن قطع بعدلهم وحسن سيرتهم استناداً إلى كتب التراث، يستنتج الكاتب من دون تردد قائلا «وكل ماسبق ذكره يؤكد بروز ظاهرة المستبد العادل في هذه المرحلة التي تعد أحد أسباب الحضارة الإسلامية واستمرارها»!
لو اعتمدنا طريقة الدكتور «حاكم» في كيفية بناء الحجة العلمية، فإن الوصول إلى أي استنتاج يصبح في غاية السهولة، إذ لن نحتاج عندها إلا إلى القدرة على اختيار ما يتناسب مع الاستنتاج المراد التوصل إليه من ضمن كتب التراث، ولعل الدليل على تهافت هذا المنهج في البحث العلمي هو أنك تستطيع من خلاله التوصل إلى استنتاجين متناقضين؛ فمَن أراد- مثلاً- التأكيد على وجوب الخروج على الحاكم بإمكانه الاستناد إلى كتب التراث، ومن أراد التأكيد على عدم وجوب هذا الأمر فبإمكانه أيضا اللجوء إلى كتب التراث. إذا كان القارئ يشكك في صحة ما أقول، فإني أدعوه إلى قراءة الحوار السلفي-السلفي حول أي قضية جدلية.
أعلم أيضا أن الدكتور «المطيري» لم يذهب إلى بريطانيا إلا بعد أن تشبع عقله بالفكر السلفي، ولكن من المؤسف حقاً أن تفشل تجربة الدراسة في بريطانيا في تهذيب سلفية الدكتور واعتماده على النقل من دون إعمال العقل!
في وقتنا الحاضر، لايستطيع أي رجل دين مسيحي الاكتفاء بالإحالة إلى ما ورد في «الإنجيل» للتدليل على صحة رأيه، ذلك أنه يعلم جيدا أن الإحالة إلى النصوص لاتتناسب مع مخاطبة العقول!
يتبع،،،
هناك 3 تعليقات:
الفكر الديني عدو للحريه والعدل بل هو يشرعن الاستبداد والظلم .الخطاب الديني زئبقي ويوجد فيه كل الاراء ونقيضها تماما مثل البوفيه المفتوح تستطيع اختيار ما تشاء منه .لا يجوز الخروج على الحاكم بالرغم من أن اي حاكم هو خرج على الحاكم اللذي سبقه !! وأكثر انتهازية في هذا الفكر انه لا يجوز الخروج على الحاكم وعندما يخرج ويستتب له الامر يصبح حاكم شرعي بمعنى ان الفتوى هي في صالح من هو في السلطه الآن.
المستبد العادل من العنوان تعرف مدى تناقض هذه العباره فالاستبداد يعني الاستئثار بالسلطه والثروه بينما العدل يعني تقاسمهما . الاستبداد عكس العدل تماما مثل الجمع بين الليل والنهار الضلام والنور . كيف لهذا المستبد العادل ان يتعامل مع من يعترضون على سياساته ؟ ماذا عن السجون اللتي سوف يزجهم بها ؟ ماذا عن المشانق اللتي سوف يعلقهم عليها ؟ من الصعب ان يكون الانسان عادلا مالم توجد قوه تمنعه من استبداده وظلمه للآخرين وهذا يوجد على كافة المستويات بدءا من الاب والزوج والمدير وانتهاءا بالحاكم لأن طبيعة البشر وتعارض المصالح تفرض هذا السلوك ...
موضوع المستبد العادل موضوع شرعي طبيعي يستدل فيه على نصوص شرعية ليس مجرد العقل لأن عقله ليس مرجعا يتحاكم إليه الجميع -أقصد هنا الجميع المسلم الموجه له الكتاب- فعندما أقر أنا والطرف الآخر أن فهد راشد المطيري عدل، يصبح كلامه حجة عليه وملزوم به.
إرسال تعليق