تنقضي صلاة المغرب، وتبدأ حلقة الذكر، يشرع رجل الدين في سرد درسه الأسبوعي متحدثا هذه المرة عن تاريخ الحروب بين المسلمين والكفار، منذ فجر الإسلام الى عصرنا الحاضر، ثم يختم حديثه بالدعوة على الكفار ومن والاهم، قديمهم وحديثهم، ويردد الباقون وراءه: آمين·· آمين!
يقترب ثلاثة مصلين من رجل الدين ليسألوه في أمور خاصة·
المصلي الأول: أنا طالب في ديار الكفر، فهل يجوز لي أكل اللحم هناك؟!
رجل الدين: اذكر اسم الله، وكل ما أحل الله لك من طعامهم، ولا إثم عليك بإذن الله!
المصلي الثاني: رأيت في المنام غيمة سوداء تمطر دما فوق بيتي!
رجل الدين: تخلص من كل ما من شأنه أن يغضب الله في بيتك، وأمر أهلك بالدعاء والاستغفار!
المصلي الثالث: حصل أحد أبنائي على بعثة دراسية لدراسة الموسيقى في الخارج، وهو يعشق هذا التخصص، هل أتركه يذهب؟!
رجل الدين: بئس الطالب وبئس المطلب، اتق الله يا رجل في ولدك، الموسيقى حرام·· حرام!
في هذا المثال لحلقة الذكر، نلاحظ أولا أن موضوع الحلقة تجاوز المفهوم الحرفي لكلمة "الذكر"، وتناول أمورا من الممكن وصفها بأنها سياسية بحتة، نلاحظ أيضا أن أيا من السائلين لم يتطرق الى موضوع الحلقة في سؤاله، وهنا نجد أننا بين أمرين: فإما أن موضوع الحلقة لاقى قبولا عاما لدى الحضور، وإما أن الموضوع فشل في إثارة أدنى اهتمام لديهم، أضف الى ذلك أن الحوار بين المصلين ورجل الدين اقتصر على شكل "سؤال وجواب"، وهذا النوع من الحوار عقيم، إذ إن الموضوعات تكون دائما محسومة: إما بالإيجاب وإما بالسلب، وتبقى أخيرا السمة الأهم لحلقة الذكر، وأعني بها "تعطيل العقل"، ذلك أن رجل الدين يعطل عقله بالفعل عندما يكتفي بتكرير ما يحفظ من نصوص تاريخية، والسائلون يعطلون عقولهم عندما يعرضون عن التفكير في مشكلاتهم الخاصة والبحث عن إجابات سهلة وجاهزة على يد رجل الدين، وهذا الأخير يعطل عقله مرة أخرى عندما يجيب استنادا الى ما يحفظ، لا الى ما فكر به!
يتبع في الأسبوع المقبل·
الاثنين، 6 يوليو 2009
حلقات الذكر وحلقات الفكر(2)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق