نحن نعلم أن الحرية هي نقيض العبودية، ولكن من يقرأ «روسو» يكتشف أن الحرية ليست سوى أحد مشتقات العبودية! يفرّق روسو في كتابه العقد الاجتماعي بين «إرادة الجميع» و«الإرادة العامة»، فالأولى تعني حاصل جمع إرادة كل أفراد المجتمع الواحد، وهي أشبه ما تكون بإرادة الأغلبية في الأنظمة الديموقراطية، بينما لا تشير «الإرادة العامة» إلى مفهوم واضح ومحدد، فكل ما بوسع روسو قوله بشأن هذا المفهوم الغامض هو أن إرادة «الدولة» بمنزلة تجسيد للإرادة العامة! يذهب روسو إلى أبعد من ذلك حين يؤكد أن للدولة الحق في إخضاع إرادة الفرد للإرادة العامة، ذلك أن الفرد لا يكون حراً إلا عندما تجبره الدولة على الانصياع للإرادة العامة! لو فحصنا ما يترتب على فلسفة روسو، لوجدنا أن المساواة بين الأفراد لم تعد مساواة بالحقوق، بل بالواجبات، ولم تعد مساواة في مقدار الحرية بين الأفراد، بل هي مساواة في مقدار العبودية تجاه الدولة! هل تختلف هذه الصورة عن تلك التي نجدها في كتاب الحرية أو الطوفان؟
في كتاب الحرية أو الطوفان، مفهوم «الحرية» يشكل أيضا أحد مشتقات العبودية، فالكاتب يستنتج من شهادة «لا إله إلا الله» أن العبودية لا تكون إلا لله، وهذا يعني أن البشر جميعهم أحرار متساوون (انظر الصفحات 3، و45، و97)، ولكن الإسلام يحتاج إلى دولة، فلا إسلام من دون دولة تقيم شعائر الدين، والدولة تحتاج إلى أمة، فلا دولة من دون أمة (انظر الصفحات 192، و 276، و 278)، ومن هنا نصل إلى الاستنتاج التالي: الأمة بجميع أفرادها في خدمة الدولة، والدولة في خدمة الدين! إرادة الأمة هي إرادة الدين، ففي الحديث (ما اجتمعت أمتي على باطل)، لذا فإن للدولة الإسلامية الحق في إخضاع إرادة الفرد المسلم إلى «إرادة الأمة» التي هي إرادة الدين، ذلك أن الفرد المسلم لايكون حراً إلا عندما يقتصر في عبادته على خالقه، وإرادة الخالق تجسدها إرادة الدين، وإرادة الدين تحميها إرادة الدولة! لو فحصنا ما يترتب على قراءة الدكتور المطيري لشهادة «لا إله إلا الله»، لوجدنا أن المساواة بين الأفراد لم تعد مساواة بالحقوق، بل بالواجبات، ولم تعد مساواة في مقدار الحرية بين الأفراد، بل هي مساواة في مقدار العبودية تجاة الدولة المجسدة لإرادة الأمة! هل تختلف هذه الصورة عن تلك التي نجدها في النموذج السياسي للدكتاتوريات الغربية في النصف الأول من القرن العشرين؟!
عندما تكون أداة الحكم عبارة عن أيديولوجية مقدسة لا تُمَّس، فإن أول ضحية هي حرية التعبير في الاعتراض على أداة الحكم، وحرية التعبير هي إحدى أهم الحقوق المدنية لأي إنسان على وجه هذه الأرض! يدافع بعضنا عن دستور 62، ويهاجم بعضنا الآخر هذا الدستور، ثم نتبادل التهم في ما بيننا، فهذا «وطني» وهذا «لاوطني»، ثم يذهب كل منا إلى حال سبيله! لكن ماذا لو استبدلنا هذه الوثيقة الدستورية، التي لا تحمل صفة القدسية، بنص آخر يتصف بالقدسية؟ عندها، تنتقل التهمة من ميدان «الوطنية» إلى ميدان «العقيدة»، فهذا «مؤمن» وهذا «كافر»، ثم يختفي «الكافر» وراء الشمس، ويعود «المؤمن» إلى بيته فرحاً بانصياعه وخضوعه لـ«إرادة الأمة»! هذه هي إيران التي تحكم بإرادة الشريعة الإسلامية، والتي يرى فيها الدكتور حاكم المطيري مثالاً يثير الإعجاب كدولة إسلامية ديموقراطية (انظر صفحة 183، وصفحة 339)، ألم ينتهك نظام الملالي الحريات المدنية، ويتدخل في أدق التفاصيل المتعلقة بالسلوك الشخصي، ويلاحق المعارضين السياسيين في الداخل والخارج، ويتدخل في حق الأفراد في خوض الانتخابات البرلمانية؟! لكن يبدو أن كل هذه الأمور لا تقلق الكاتب، فهو لم يجد من المآخذ على النظام الإسلامي في إيران سوى «إشكالية الطائفية وإشكالية ولاية الفقيه» (انظر الحاشية في صفحة 240).
أريد أن أختم هذه «النظرات» من خلال لفت نظر القارئ إلى الملاحظة التالية. عندما شرعت في كتابة قراءتي الخاصة لكتاب الحرية أو الطوفان، وجدت نفسي مرغماً على التنازل عن ذكر كثير من النقاط المهمة في هذا الكتاب، ذلك أنه من الصعب أن تنتقد كتاباً يستند إلى أيديولوجية يَحرُم انتقادها، حتى لو كان هذا الانتقاد قريباً من المنطق، وبعيداً عن الاسفاف! فليهنأ، إذاً، الدكتور حاكم المطيري، ولتقر عينه، فالأيديولوجية التي يتبناها تحكم حتى قبل أن تصل إلى سدة الحكم!
في كتاب الحرية أو الطوفان، مفهوم «الحرية» يشكل أيضا أحد مشتقات العبودية، فالكاتب يستنتج من شهادة «لا إله إلا الله» أن العبودية لا تكون إلا لله، وهذا يعني أن البشر جميعهم أحرار متساوون (انظر الصفحات 3، و45، و97)، ولكن الإسلام يحتاج إلى دولة، فلا إسلام من دون دولة تقيم شعائر الدين، والدولة تحتاج إلى أمة، فلا دولة من دون أمة (انظر الصفحات 192، و 276، و 278)، ومن هنا نصل إلى الاستنتاج التالي: الأمة بجميع أفرادها في خدمة الدولة، والدولة في خدمة الدين! إرادة الأمة هي إرادة الدين، ففي الحديث (ما اجتمعت أمتي على باطل)، لذا فإن للدولة الإسلامية الحق في إخضاع إرادة الفرد المسلم إلى «إرادة الأمة» التي هي إرادة الدين، ذلك أن الفرد المسلم لايكون حراً إلا عندما يقتصر في عبادته على خالقه، وإرادة الخالق تجسدها إرادة الدين، وإرادة الدين تحميها إرادة الدولة! لو فحصنا ما يترتب على قراءة الدكتور المطيري لشهادة «لا إله إلا الله»، لوجدنا أن المساواة بين الأفراد لم تعد مساواة بالحقوق، بل بالواجبات، ولم تعد مساواة في مقدار الحرية بين الأفراد، بل هي مساواة في مقدار العبودية تجاة الدولة المجسدة لإرادة الأمة! هل تختلف هذه الصورة عن تلك التي نجدها في النموذج السياسي للدكتاتوريات الغربية في النصف الأول من القرن العشرين؟!
عندما تكون أداة الحكم عبارة عن أيديولوجية مقدسة لا تُمَّس، فإن أول ضحية هي حرية التعبير في الاعتراض على أداة الحكم، وحرية التعبير هي إحدى أهم الحقوق المدنية لأي إنسان على وجه هذه الأرض! يدافع بعضنا عن دستور 62، ويهاجم بعضنا الآخر هذا الدستور، ثم نتبادل التهم في ما بيننا، فهذا «وطني» وهذا «لاوطني»، ثم يذهب كل منا إلى حال سبيله! لكن ماذا لو استبدلنا هذه الوثيقة الدستورية، التي لا تحمل صفة القدسية، بنص آخر يتصف بالقدسية؟ عندها، تنتقل التهمة من ميدان «الوطنية» إلى ميدان «العقيدة»، فهذا «مؤمن» وهذا «كافر»، ثم يختفي «الكافر» وراء الشمس، ويعود «المؤمن» إلى بيته فرحاً بانصياعه وخضوعه لـ«إرادة الأمة»! هذه هي إيران التي تحكم بإرادة الشريعة الإسلامية، والتي يرى فيها الدكتور حاكم المطيري مثالاً يثير الإعجاب كدولة إسلامية ديموقراطية (انظر صفحة 183، وصفحة 339)، ألم ينتهك نظام الملالي الحريات المدنية، ويتدخل في أدق التفاصيل المتعلقة بالسلوك الشخصي، ويلاحق المعارضين السياسيين في الداخل والخارج، ويتدخل في حق الأفراد في خوض الانتخابات البرلمانية؟! لكن يبدو أن كل هذه الأمور لا تقلق الكاتب، فهو لم يجد من المآخذ على النظام الإسلامي في إيران سوى «إشكالية الطائفية وإشكالية ولاية الفقيه» (انظر الحاشية في صفحة 240).
أريد أن أختم هذه «النظرات» من خلال لفت نظر القارئ إلى الملاحظة التالية. عندما شرعت في كتابة قراءتي الخاصة لكتاب الحرية أو الطوفان، وجدت نفسي مرغماً على التنازل عن ذكر كثير من النقاط المهمة في هذا الكتاب، ذلك أنه من الصعب أن تنتقد كتاباً يستند إلى أيديولوجية يَحرُم انتقادها، حتى لو كان هذا الانتقاد قريباً من المنطق، وبعيداً عن الاسفاف! فليهنأ، إذاً، الدكتور حاكم المطيري، ولتقر عينه، فالأيديولوجية التي يتبناها تحكم حتى قبل أن تصل إلى سدة الحكم!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق