· لو سألتك كم عمر الديمقراطية في الكويت، فبماذا تجيب؟
- الديمقراطية لم تولد بعد!
· وماذا عن العام 62 المدون في شهادة ميلاد الديمقراطية الكويتية؟
- هذا كلام يصلح أن يكون إجاجة صحيحة عن سؤال في اختبار مدرسي، أو في لقاء تلفزيوني، أو حتي في ندوة سياسية محلية، لكن فليحاول أي طالب كويتي يدرس في الخارج أن يزعم أن الكويت بلد ديمقراطي، إنه لو فعل ذلك لأحاطت به نظرات السخرية من كل جانب، وهي نظرات لها ما يبررها من دون شك·
ذكرت سابقا أن هناك عملية تشويه متعمد للمفاهيم الغربية على يد رموز التيار الديني، لكن يبدوأن السلطة السياسية وماتسمى بالقوى الوطنية تشاركان في هذا التشويه· في لقاء على قناة سي إن إن، يصرح الملك الأردني قائلا "إن الديمقراطية لها معان مختلفة حسب كل أمة على حدة!"، وجماعات التيار الإسلامي يؤكدون الشيء نفسه بالنسبة لمفهوم حقوق الإنسان، والعام 62 يشكل ميلاد الديمقراطية في نظر بعض القوى الوطنية، وهلم جرا!
· لماذا تصر على أن دستور 62 يعتبر نموذجا فاشلا للعمل السياسي؟
- لأنه دستور مليء بالتناقضات! لن أتحدث هنا عن بعض القوانين والتشريعات التي تصدر عن مجلس الأمة والتي فيها انتهاك صريح لمواد الدستور، بل سوف أقتصر فقط على مواد الدستور ذاته، فدستور 62 ينتهك نفسه بنفسه! هذا الدستور يضع نفسه في منزلة بين منزلتين، لا برلماني ولا رئاسي، مع ميل الى النظام البرلماني، وهو في هذه الخصلة الوسطية شبيه بما يسمى ب "الاقتصاد الإسلامي" الذي ليس له وجود إلا في مخيلة من ابتدعوه! دستور 62 يقرر في مادته السادسة والخمسين أن تشكيل الحكومة يتم عن طريق التعيين، بينما المادة السادسة تؤكد أن نظام الحكم في الكويت ديمقراطي! هذه معادلة مستعصية أشبه باستدلال "جولدباخ" الرياضي! المادة السادسة من الدستور تقرر أيضا أن السيادة هي لـ "الأمة مصدر السلطات جميعا"، لكنها تتدارك الأمر من خلال التأكيد على أن سيادة الأمة تكون "حسب الوجه المبين بهذا الدستور"! هذا الاستدراك يفرغ المادة برمتها من مضمونها "الديمقراطي! قارن ما بين هذه المادة والمواد 51 و 52 و53 من الدستور وسوف تعرف أين يكمن المصدر الحقيقي للسلطات جميعا!
· إلى أين تريد أن تصل؟ وما هو الحل في نظرك؟
- الحل يكمن في العمل على زيادة درجة الميلان باتجاه النظام البرلماني، ولن يحدث هذا إلا من خلال اتفاق متبادل بين الشعب والأسرة الحاكمة، فهذه الأسرة تحظى بإجماع عام عليها من قبل كافة أطياف الشعب، وهي بلا شك تشكل عامل استقرار لهذا الوطن، ولسنا نريد ملكية دستورية على الطريقة البريطانية، بل ملكية دستورية على طريقة مشابهة للنظام في إسبانيا مثلا، فهناك يتمتع الملك بصلاحيات سياسية تؤمن استقرار البلد دون الإضرار بمفهوم الديمقراطية!
· السفير "عبدالله بشارة" ذكر قبل أيام في جريدة الوطن أن "الدستور وفر للنظام الشرعية التاريخية لكن لم يوفر له الأغلبية التي تسانده في الحكم"، فحسب رأيه مأزق الحكم يكمن في أن الحكومة لا تمتلك الأغلبية البرلمانية التي تؤمن لها حق التشريع؟·
- إذا أرادت الحكومة أن تكون لها أغلبية برلمانية فعليها أولا أن تسلك الطريق الذي سلكه أعضاء البرلمان للوصول الى البرلمان! ثم ما حاجة الحكومة إلى أغلبية برلمانية وهي التي دأبت على تمرير مشاريعها من خلال أقلية برلمانية لا تتجاوز السبعة عشرعضوا؟! هذه مزية لصالح الحكومة وهي من صنائع دستور 62، فهو يسمح للوزراء بالتصويت على مجمل الأمور عدا موضوع طرح الثقة! بعبارة أخرى، دستور 62 "الديمقراطي" يسمح لأقلية برلمانية منتخبة في التحكم بمصيرالشعب! من بدع دستور 62 أيضا المادة 102، وهي مادة غير عادلة بكل المقاييس، فهي تطرح خيارا مفتوحا لمعاقبة أعضاء البرلمان من خلال حل المجلس في حال قرر أعضاء البرلمان عدم التعاون مع رئيس الوزراء؟
· مع ذلك، يبقى دستور 62 الملاذ الوحيد الذي نستعين به في كل أزمة سياسية! إنه النص الذي ينبغي حفظه عن ظهر قلب من قبل جميع أبناء هذا الشعب، ألست معي في هذا الرأي؟
- نحن شعوب تقدس النصوص، مدنية كانت أو دينية، لهذا يصعب علينا قراءة هذه النصوص قراءة موضوعية متأنية، فعندما يحضر شاب، مثلا، إلى ندوة سياسية ويستمع فيها إلى دفاع الجيل القديم عن الدستور، فإن هذا الشاب يقبل ما سمعه على علاته، تماما كما يفعل شاب آخر متدين عند استماعه لخطبة دينية! الجيل الجديد مطالب بإعادة قراءة النصوص التي تحكم مصيره، ومنها دستور 62· عندما يؤكد الدستور الكويتي على أن الأمة مصدر السلطات جميعا، علينا أن نتوقف قليلا لنختبر صحة هذه المقولة، وعندما يصر الدستور على أن نظام الحكم في البلاد ديمقراطي، علينا أن نفحص مدى صحة هذا الزعم!
· ما الذي يجعل الديمقراطية أمنية يصعب تحقيقها في مجتمعاتنا العربية؟
- أشك في أن الديمقراطية هي أمنية بالنسبة للشعوب العربية، فالديمقراطية لم تكن يوما جزءا من تراثنا، ومازلنا نخفق في خلق ثقافة عامة تسمح بميلاد الديمقراطية! لو أجريت استفتاء عاما حول شكل نظام الحكم المرغوب فيه لاحتلت الشريعة الإسلامية المركز الأول! بالمقابل، وبعد موت "فرانكو" مباشرة، أجري استفتاءد حول شكل نظام الحكم في إسبانيا وجاءت النتيجة بنسبة 94 بالمئة لصالح الديمقراطية! لماذا؟ لأن هناك من كان يعمل بجد وإخلاص لتعبئة الرأي العام الإسباني للتشبث بالديمقراطية، تماما مثلما لدينا هنا من كان ولا يزال يعمل بجد وإخلاص لتهيئة أجواء الشريعة الإسلامية! ليس في الأمر لغز: اعرف قواعد اللعبة، تربح اللعبة!
الاثنين، 6 يوليو 2009
حوار من بعيد(6)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق