في الكويت، تتكاثر القطط السمان حول أسوار المنازل لأسباب معروفة، أهمها هو أننا نشتري من المواد الغذائية ما يفوق حاجتنا الضرورية، لنقوم بعد ذلك في تكديس فضلات الطعام على أرصفة الشوارع، ثم تأتي القطط السمان لتتقاسم الغنائم وفقا لقانون «البقاء للأقوى». لكن إذا انتقلنا إلى عالم المال والتجارة، فإن المشهد ينقلب رأسا على عقب، ذلك أن القطط السمان تجني من الأموال ما يفوق حاجتها الضرورية، ثم تقوم على مضض في توزيع الفتات يمينا وشمالا! في عالم المال والتجارة، تميل القطط السمان إلى المحافظة على سمنتها، ولعل ذلك يفسر حرصها على تحديد النسل، فكلما زاد عدد أعضاء «نادي القطط السمان» تقلّص معدّل السمنة.
يقولون إن القطط السمان هي سبب الأزمة المالية العالمية، ولعل هذه هي المرة الأولى التي تأتي فيها «وكالة يقولون» بأخبار لا تجافي الحقيقة، ولكن هذا موضوع آخر، فما يهمني في هذا المقال هو الحديث عن القطط السمان المحلية، وهي قطط لا تبلغ من السمنة ما يكفي لإثارة أزمة مالية عالمية، وكل ما بوسعها فعله هو التسبب في إفلاس بنك، أو التمسك بدور الوسيط بين الحكومة وشركات الاستثمار، أو الحرص على تنامي القروض بمعدل لا يثير كثيرا حفيظة محافظ البنك المركزي، أو التحكم عن بُعد بمؤشر البورصة، أو الدخول في عراك مع لجنة السوق كي تلغي قوانينها «الجائرة»، مثل قوانين دمج الشركات المدرجة بأخرى غير مدرجة، وقوانين الإفصاحات وزيادة رؤوس الأموال، وغيرها من القوانين التي لا تسمح للقطط السمان في المحافظة على سمنتها.
لا تقتصر القطط السمان على المتاجرة بالمال، بل إنها لا تتورع أيضا عن المتاجرة في الدين، فالقط السمين في حاجة دائمة إلى تجميل صورته مع كل رطل إضافي في وزنه، ولتلبية هذه الحاجة الملحة، يلجأ القط السمين إلى البروباغندا الدينية، وهي مصدر كل أنواع البروباغندا، فتاريخها يعود إلى قصة آدم وحواء، ومؤسسها الأول هو الشيطان نفسه! لهذا السبب، من الطبيعي أن تكون المتاجرة بالدين هي الخيار الأول لأي قط سمين يرغب في تجميل وجهه القبيح! مثلما يقوم القط السمين في تنويع تجارته لتفادي خسارة أمواله، فهو يقوم أيضا في تنويع تجارته في الدين، فتراه يبني مسجدا، أو يموّل برنامجا دينيا، أو يصرف تذاكر سفر لأداء العمرة، وكلها مشاريع خيرية «لوجه الله»، لكنها مع ذلك مشاريع تحمل اسمه!
لندع الآن القطط السمان جانبا وننتقل إلى الحديث عن شُق ثانٍ من هذا المقال، وهو عبارة عن محرر اقتصادي في إحدى الصحف المحلية، ينتمي إلى جنسية عربية، ويقوم بأداء وظيفته على أكمل وجه، وهي وظيفة تنحصر في الدفاع عن مصالح القطط السمان! كنت أتابع مقالات هذا المحرر منذ زمن طويل، وسبق أن أشرت إليه إشارة سريعة في مقال سابق، لكنه بدأ يثير دهشتي في الآونة الأخيرة، إذ لم يكتف هذا المحرر بالتشفي من «لجنة باقر البورصوية» حسب تعبيره، ولم يكتف أيضا بالمطالبة في «إيداع مبالغ حكومية لدى المصارف تتراوح بين 5 و10 مليارات دينار بفوائد رمزية»، بل إنه ذهب إلى حد التشكيك بذمة أعضاء اللجنة الاقتصادية برئاسة محافظ بنك الكويت المركزي، حيث كتب يقول: «من يدري، ربما ستتحرك شركات على أعضاء لاسترضائهم بوسائل مشروعة وأخرى مختلقة. وهذه متاهة جديدة».
أعترف بأني مازلت مندهشا من مدى استخفاف هذا المحرر بحرمة الأموال العامة، وتعديه على كرامة الناس، ولكن يبدو أن كرامة الإنسان أصبحت رخيصة على موائد القطط السمان، وما أكثر ضعاف النفوس ممن يشتهون الجلوس على تلك الموائد!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق