يفتخر المنتمون إلى التيار الإسلامي السياسي بأنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في الوطن العربي، وأن خصومهم السياسيين من أنصار الليبرالية ليسوا سوى أقلية متواضعة وغير مؤثرة. لن أجادل في حقيقة وجود مد إسلامي وجزر ليبرالي، إنما سأحاول من خلال هذا المقال عرض بعض الأسباب التي تقف وراء حالي المد والجزر. قبل أن أشرع في تقديم هذه الأسباب، أريد أولاً توضيح نقطة بسيطة لتحاشي أي التباس، وهي أن الإسلام كعقيدة دينية لا ينتمي بشكل مباشر إلى طرفي التعارض في هذا المقال، فما يعنينا هنا هو الإسلام كتيار سياسي له خصوم وأتباع. لولا إصرار بعضهم على استثمار هذا الالتباس في أغراض البروباغندا السياسية التحريضية، لما احتجت إلى توضيح هذه النقطة!
1 - مصادر المعرفة
لكل تيار سياسي مصادر للمعرفة، وهي مصادر تسهم في بناء الإطار الفكري الذي يتحرك من خلاله المنتمون إلى تيار سياسي معين. إذا كانت فرصة انتشار أي تيار سياسي تعتمد على مدى إمكان الوصول إلى مصادر المعرفة الخاصة بهذا التيار، وإذا كان التيار الإسلامي يعتمد على مصادر للمعرفة مكتوبة بلغة عربية وفي متناول الجميع، فإن الاستنتاج المنطقي في هذه الحالة يشير إلى أن فرصة انتشار التيار الإسلامي كبيرة جداً. الأمر يختلف بالنسبة للتيار الليبرالي، ذلك أن المصادر الأولية المختصة بالفكر الليبرالي مكتوبة بلغات أجنبية، مما يعني أن إمكان الوصول إلى هذه المصادر يعتمد في المقام الأول على شرط الإلمام بلغة أجنبية واحدة على الأقل، وفي حالة عدم استيفاء هذا الشرط، فإن الاعتماد على مصادر ثانوية للمعرفة من خلال الكتب المترجمة هو المخرج الوحيد! لكن حتى هذا المخرج لا يخلو من صعوبات، فالوضع الثقافي في الوطن العربي لايزال يعاني قصوراً كبيراً، وإذا كان الهدف من أي حركة ترجمة هو تدارك القصور في تعلم لغات أجنبية، فإن معدل قصور الفرد العربي في تعلم اللغات الأجنبية يفوق بكثير معدل حركة الترجمة إلى اللغة العربية!
2 - مرحلة التكوين
الانضمام إلى تيار سياسي يعني الخضوع لمرحلة من التكوين الفكري، وطول المدة الزمنية لهذه المرحلة يعتمد على مدى ارتباط الفكر المراد تشكيله بالبيئة الثقافية. الشريعة الإسلامية هي الأساس الفكري لكل تيار إسلامي، والإسلام له بصماته الواضحة على البيئة الثقافية العربية، مما يعني أن مرحلة التكوين الفكري لأتباع التيار الإسلامي تتطلب مدة زمنية قصيرة نسبياً، فالبيئة الثقافية العربية ساهمت إلى حد كبير في تقليص هذه المدة الزمنية! الصورة تختلف بالنسبة للتيار الليبرالي، فالليبرالية لا تنتمي (تاريخياً على الأقل) إلى البيئة الثقافية العربية، لذا فإن مرحلة التكوين الفكري في هذه الحالة تتطلب مدة زمنية تمتد إلى سنوات أو عقود! لو قررت الانضمام إلى التيار الإسلامي، فإني لن أتوقع من هذا التيار أن يعدد لي أركان الإسلام، لكن في المقابل، لو قررت الانضمام إلى التيار الليبرالي، فإن أسس الليبرالية ستكون عنوان الدرس الأول!
3 - وسيلة الإقناع
في عالم السياسة، نبل الغاية ليس شرطا، ومشروعية الوسيلة ليست ضرورة! لعل أكثر التيارات الإسلامية المحلية إدراكاً لهذه الحقيقة هي حركة «حدس»، وربما يرجع السبب في ذلك إلى طول تاريخها في تعاطي السياسة! سياسة الثواب والعقاب هي إحدى أهم وسائل الإقناع التي يلجأ إليها رجال الدين، وهي وسيلة تعتمد على غريزتين متأصلتين في النفس البشرية، غريزة الرغبة وغريزة الخوف، أما تيار الإسلام السياسي فقد قام باستيراد هذه الوسيلة من ميدان الدين واستثمارها في ميدان السياسة. الوضع يختلف بالنسبة للتيار الليبرالي، فوسيلة الإقناع لا تعتمد على الغرائز بقدر اعتمادها على العقل، ذلك أن العقل هو أحد أهم الأسس التي تقوم عليها الليبرالية. لكن هنا أيضا تبرز مشكلة لها علاقة بعامل الوقت، ذلك أن اكتساب مهارات التفكير النقدي يتطلب سنوات عديدة من النشاط الذهني الشاق والقراءة الجادة، أما سياسة الترغيب والترهيب فلا تحتاج إلا إلى شريط «كاسيت» يوزع على الناس بالمجان!
لهذه الأسباب مجتمعة، ولأسباب أخرى لم يمنعني من ذكرها سوى فقري إلى حرية تعبير سلبت مني على أيديكم، نعم... أنتم الأغلبية!
الأربعاء، 29 يوليو 2009
أنتم الأغلبية... لكن لماذا؟!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق