صباح العشرين من مارس من عام 2003 لم يكن كأي صباح: بدأت الحرب! لا أدري ما الذي دفعني إلى تقييد اسمي ضمن قائمة المترجمين المتطوعين في الجيش البريطاني، ولكن هذا ما حدث. حملت حقيبتي وخرجت لأجد 'باشا'، سائق المنزل، يسألني: 'طيارة ساعة كم؟!' أكثر من عشر سنوات في الكويت و'طيارة ساعة كم؟'! لا ألومه على الإطلاق، بل كيف لي أن ألومه بينما أجيب عن سؤاله دونما شعور مني على هذا النحو: 'ما يروح مطار'! قانون لغوي: بشكل عام، تميل لهجة الأقلية إلى التأثر بلهجة الأغلبية! نعم، باشا وأقرانه هم الأغلبية، لكنها أغلبية مسحوقة مع ذلك! عندما يقرأ الإنسان الكويتي رواية 'الأنفس الميتة'، فأغلب الظن أنه سيقوم بحصر عدد الخدم في منزله! أخبرت 'باشا' أنني هذه المرة لن أتوجه إلى المطار كما هي العادة، بل إلى مبنى رئاسة الأركان، فهذا هو المكان الذي حدده الجيش البريطاني لتجمّع المترجمين الكويتيين قبل رحيلهم إلى العراق. توقفت السيارة أمام بوابة رئاسة الأركان. القلق واضح في عيني 'باشا'. كان قلقاً على مصيري في ما يبدو! عانقته بحرارة، وكأني بهذا العناق أنتقم من القدر الذي جعل منه خادماً وجعل مني سيداً له! لم نتعود- نحن الكويتيين- معانقة الخدم!
جنديان يقفان على البوابة. اقتربت أسأل: لو سمحتما، أين مكان تجمّع المترجمين؟ طلب مني أحدهما البطاقة الشخصية، فناولته إياها. تفحّص البطاقة وأخذ يدقق بقائمة الأسماء التي لديه، بينما اكتفى الجندي الآخر بالتدقيق فيّ أنا! تخيلت ابتسامته الساخرة من دون أن أنظر إليه. لا تزعجني نظرات التدقيق إطلاقا، فقد تعودت ذلك من موظفي الجوازات في مطارات عديدة، لكن ما يحيرني هو كيفية الرد على تلك النظرات! يدقق المسؤول في صورة الجواز، مثلاً، ثم يلقي عليك نظرة فاحصة، وهنا تحديداً لا أعرف ما هو المطلوب؟ هل أرد على نظراته الصارمة بنظرات أكثر صرامة، أم أتجاهله وأكتفي بالنظر إلى جهة أخرى؟ أو ربما من الأفضل أن أبتسم في وجهه بغباء؟ موقف سخيف حقاً!
مبنى رئاسة الأركان لا يوحي إطلاقا بالرهبة! هكذا أفضل، فالكويت بلد مسالم، ولا حاجة لنا في الرهبة! كل شيء كان يبدو طبيعياً، فلم يكن بوسع المرء أن يشعر بتلك الجلبة التي تصاحب عادة نبأ نشوب الحرب! جندي واحد فقط رأيته يهرول في اتجاه البوابة، بينما وقف زميل له يصيح به من بعيد: 'لا تنس السجائر في درج السيارة'! رأيت من بعيد تجمعاً لبعض المدنيين، فأدركت أني لا ريب وصلت حيث أريد. كانت العيون القلقة في كل مكان، وأصوات الهواتف النقالة ترن هنا وهناك. وجدت مكاناً لي تحت شجرة، فوضعت حقيبتي وجلست. خرج ضابط برتبة نقيب ليدعو الجميع إلى الدخول. لا أحب الازدحام، لذا مكثت في مكاني وشرعت أُحصي عدد المترجمين بينما كانوا يدخلون الصالة الواحد تلو الآخر. كان العدد أقل بكثير مما توقعت: 86 مترجماً فقط! دخل قبل الأخير، ولم يبق سوى الأخير، فدخلت! ماذا حدث بعد ذلك؟ هذا ما سأتطرق إليه في مقال قادم!
جنديان يقفان على البوابة. اقتربت أسأل: لو سمحتما، أين مكان تجمّع المترجمين؟ طلب مني أحدهما البطاقة الشخصية، فناولته إياها. تفحّص البطاقة وأخذ يدقق بقائمة الأسماء التي لديه، بينما اكتفى الجندي الآخر بالتدقيق فيّ أنا! تخيلت ابتسامته الساخرة من دون أن أنظر إليه. لا تزعجني نظرات التدقيق إطلاقا، فقد تعودت ذلك من موظفي الجوازات في مطارات عديدة، لكن ما يحيرني هو كيفية الرد على تلك النظرات! يدقق المسؤول في صورة الجواز، مثلاً، ثم يلقي عليك نظرة فاحصة، وهنا تحديداً لا أعرف ما هو المطلوب؟ هل أرد على نظراته الصارمة بنظرات أكثر صرامة، أم أتجاهله وأكتفي بالنظر إلى جهة أخرى؟ أو ربما من الأفضل أن أبتسم في وجهه بغباء؟ موقف سخيف حقاً!
مبنى رئاسة الأركان لا يوحي إطلاقا بالرهبة! هكذا أفضل، فالكويت بلد مسالم، ولا حاجة لنا في الرهبة! كل شيء كان يبدو طبيعياً، فلم يكن بوسع المرء أن يشعر بتلك الجلبة التي تصاحب عادة نبأ نشوب الحرب! جندي واحد فقط رأيته يهرول في اتجاه البوابة، بينما وقف زميل له يصيح به من بعيد: 'لا تنس السجائر في درج السيارة'! رأيت من بعيد تجمعاً لبعض المدنيين، فأدركت أني لا ريب وصلت حيث أريد. كانت العيون القلقة في كل مكان، وأصوات الهواتف النقالة ترن هنا وهناك. وجدت مكاناً لي تحت شجرة، فوضعت حقيبتي وجلست. خرج ضابط برتبة نقيب ليدعو الجميع إلى الدخول. لا أحب الازدحام، لذا مكثت في مكاني وشرعت أُحصي عدد المترجمين بينما كانوا يدخلون الصالة الواحد تلو الآخر. كان العدد أقل بكثير مما توقعت: 86 مترجماً فقط! دخل قبل الأخير، ولم يبق سوى الأخير، فدخلت! ماذا حدث بعد ذلك؟ هذا ما سأتطرق إليه في مقال قادم!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق