في يوم الجمعة الماضية، نشرت «الجريدة» على لسان رئيس شركة BP قوله «إن صبر شركته قد نفد من طول مدة انتظارها للكويت، من أجل أن تتخذ قراراً بالنسبة إلى مشاريع تطوير الحقول، التي مضت عليها سنوات عدة في مرحلة التفاوض من دون جدوى»! مدير هذه الشركة، التي تنتشر مشاريعها الضخمة في أكثر من مئة دولة حول العالم، لم يكن الوحيد في مطالبته الكويت بالاستعجال في تمرير مشروع حقول الشمال، فحملة التسويق لهذا المشروع الضخم تقودها أطراف محلية سياسية واقتصادية وحتى أكاديمية (مع الأسف الشديد!). قرأت الحجج التي قدمها المناصرون لهذا المشروع، واطلعت أيضاً على الحجج المناهضة له، لكني لم أعثر في كل هذا الجدل الطويل على محاولة لعرض تاريخ الشركات المتقدمة للمشروع، وهو تاريخ لا يبدو مشجعا، ولا مشرّفا!
سوف أتجاوز التاريخ غير المشرف لشركة BP في إيران مع بدايات القرن العشرين، وهو تاريخ يفضح قدرة هذه الشركة على الإطاحة بحكومة كاملة من أجل تحقيق مصالحها، لكني سأركز فقط على مشروع حديث للشركة شبيه إلى حد ما بمشروع حقول الشمال، وهو مشروع أنابيب النفط الممتدة من «باكو» في أذربيجان مروراً بجورجيا وانتهاءً بتركيا. المدة الزمنية لهذا المشروع تمتد إلى أربعين سنة ابتداءً من عام 2003، وتمنح الاتفاقية شركة BP سلطة كاملة على الأراضي كلها التي يمر بها أنبوب النفط، كما أنها تلزم الدول الثلاث بتعويضات مادية للشركة في حال صدور قوانين جزائية تضر بأرباح الشركة، حتى لو كانت هذه القوانين تتعلق بالإضرار بالبيئة أو الإخلال بحقوق الإنسان! وصف رئيس جورجيا الحالي «ساكاشيفيلي» الاتفاقية بأنها «فظيعة»، وهي فعلا اتفاقية جاءت بنتائج فظيعة! مثلاً، اخترقت الشركة 173 قانوناً ضد حماية البيئة الطبيعية في فترة بناء المشروع فقط، وعلى الرغم من الوعود التي قدمتها الشركة بخلق فرص عمل جديدة تصل إلى عشر آلاف وظيفة، لم توظف في واقع الأمر سوى 250 شخصاً! المسؤول السابق عن المشروع «إد جونسون» ذكر لصحيفة «بطرس تايمز» أن «حكومة جورجيا السابقة أرادت أن تسوّق المشروع بأي طريقة، فلم تجد وسيلة أفضل من إيهام الرأي العام بأن المشروع سيوفر أكثر من سبعين ألف وظيفة جديدة»! أخيراً، يبقى أن نضيف أن آخر إحصاء صدر لهذا العام من معهد «بيري» يضع شركة BP في المرتبة الثلاثين ضمن قائمة «المئة الأوائل» من بين أكثر الشركات العالمية إضراراً بالبيئة الطبيعية!
في الأول من فبراير الماضي، نشرت صحيفة كويتية أخرى مقابلة مع السيد «جون هوهوليك»، رئيس فرع شركة ExxonMobil العالمية في الكويت، والذي صرح بأن الشركة «تخطط حالياً للاتفاق على مشروع حقول الشمال ومنذ أيام عقدنا مباحثات مع مؤسسة البترول الوطنية وشركة نفط الكويت ولا أستطيع ذكر تفاصيل أكثر عنها لأنها مباحثات محاطة بقدر من السرية حتى يتم الإعلان عنها»! تضمنت المقابلة أيضا سؤالاً عن الاتهامات الموجهة للشركة بشأن الإضرار بالبيئة، وجاءت إجابة رئيس الشركة على النحو االتالي:
«منذ عشرين عاما كانت لنا مشكلة في ألاسكا لكن كنا نأمل ألا يحدث هذا لكنه حدث للأسف، وعلى الجانب الآخر فقد بذلنا أقصى ما في وسعنا في التأكد من أن نتائج هذا الحادث قد تم محاصرتها إلى أقصى حد مع التأكد من عدم تكرار هذا الحادث حيث إننا نعمل بجدية وبطريقة تحافظ على البيئة ونقوم بدور جيد في هذا الشأن»
السيد «هوهوليك» يسمي إحدى أضخم الكوارث البيئية في العالم مجرد «مشكلة»! لكن لماذا يحاول رئيس الشركة القفز على الحقائق وتضليل الرأي العام الكويتي؟ ليسمح لي مسؤول الشركة تذكيره بالحقائق التالية حول «مشكلة» ألاسكا:
1 - تقاعس موظفي الشركة، هو أحد العوامل التي أدت إلى الكارثة، وذلك حسب نتائج التحقيق التي قامت به NTSB، وهي الجهة المعتمدة من قبل الحكومة الأميركية.
2 - أصدر الكونغرس الأميركي قانوناً يحظر على الشركة إقامة مشاريع مستقبلية في خليج ألاسكا.
3 - بالرغم من كل الجهود التي بذلت منذ عام 1989 لتدارك تلك الكارثة، أظهرت نتائج دراسة قام بها فريق علمي من معهد NOAA أن أكثر من 26 ألف غالون من النفط الخام مازال قابعاً في منطقة الكارثة.
إذا كانت شركة ExxonMobil تعمل بطريقة تحافظ على البيئة كما يقول السيد «هولوليك»، فلماذا إذن تحتل الشركة المرتبة العاشرة ضمن قائمة أكثر الشركات العالمية إضرارا بالبيئة، وذلك حسب تقرير معهد «بيري» لهذا العام؟ ثم ماذا عن تورط الشركة في سلسلة من قضايا الرشوة لمسؤولين كبار في أنغولا والسودان وكازاخستان؟!
لا أستبعد وقوف أطراف أجنبية وراء رفع السقف الأعلى للمال السياسي المستخدم في شراء الذمم في الانتخابات الحالية، ولا أستغرب هذه الاستماتة من طرف أغلب المرشحين على الفوز بكرسي المجلس، والسبب في كلتا الحالتين واحد: هناك كعكة كبيرة جاهزة للتقسيم، ومشروع حقول الشمال ليس سوى جزيء من هذه الكعكة! هل تسمعون عواء الذئاب في حقول الشمال؟
الخميس، 30 يوليو 2009
الذئاب تعوي في حقول الشمال
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق