قدرنا في الكويت هو أننا لا نستطيع التمتع في الوقت نفسه بنوعين من الحقوق: حقوق مدنية وحقوق سياسية. في لحظات الانقلاب على الدستور، يعيش الشعب تحت وطأة استبداد الأقلية، وهي أقلية تتمثل في السلطة الحاكمة وحاشيتها، فتضيع بذلك حقوق الفرد السياسية، لكن في المقابل، عندما يستعيد مجلس الأمة عافيته ويبدأ في سَن التشريعات، نعود من جديد لنعاني استبداداً من نوع آخر، وأعني به استبداد الأغلبية، وأول ضحية لهذا الاستبداد هو ضياع أبسط حقوق الفرد المدنية، مثل حريات الاعتقاد والتعبير عن الرأي والسلوك الفردي. على الرغم من أن دستور 62 اشتمل على كلا النوعين من الحقوق، لكننا لا ننتفض للدفاع عن الدستور إلا في ما يتعلق بحقوقنا السياسية، أما اغتصاب أبسط حقوقنا المدنية على أيدي أغلبية نواب الأمة فلا يحرك فينا شعرة واحدة!
ولكن أليست الديموقراطية هي تجسيد لإرادة الأغلبية؟ ليس من المستغرب أن يتكرر هذا السؤال في أوساط التيارات الدينية، إذ هم الأغلبية، ولكن من قال إننا نريد ديموقراطية لا تحددها سوى إرادة الأغلبية؟ الدستور لا يحمينا فقط من استبداد السلطة الحاكمة عن طريق ضمان حقوقنا السياسية، بل إنه يحمينا أيضا من استبداد الأغلبية من خلال ضمان حقوقنا المدنية. إن أكثر أداة غير ديموقراطية هي الدستور، وهذه مفارقة، ولكنها مفارقة تنطوي على حقيقة مهمة، فالدستور لا يحترم ولا يقر رأي أغلبية تهضم أبسط الحقوق الأساسية لمواطن واحد، فضلا عن أقلية!
كسبنا الكثير في السنوات الأخيرة، إذ زادت المشاركة الشعبية في الانتخابات النيابية، وتقلص أيضا عدد الدوائر الانتخابية، وأصبح الحديث الآن يدور حول إقرار الأحزاب السياسية وتنظيمها، ولكن لاحظ أن كل هذه المكاسب تتعلق بمسألة الحقوق السياسية، أما الحقوق المدنية فيبدو أنها لا تستحق حتى أن نلتفت إليها! إن الدليل على فشلنا في إقامة مجتمع مدني يتمثل في هذا الحرص على التمسك بديموقراطية يكون فيها رأي الأغلبية هو الرأي المطلق، ذلك أن من أهم سمات المجتمع المدني هو المحافظة على حرية الفرد والرفض القاطع لأي انتهاك لها باسم الأغلبية! لماذا نرفض دكتاتورية الفرد ونقبل بدكتاتورية الجماعة، مع أن الظلم واقع في كلتا الحالتين؟
لا أستغرب هذا الحرص الشديد من قبل التيارات الدينية على إقرار قانون ينظم الأحزاب السياسية، فهذه التيارات تريد ديموقراطية صرفة لاتحكمها إلا إرادة الأغلبية، وهي إرادة ستنسف حتما آخر ما تبقى لنا من حقوق بشرية من خلال نظام الحكم الذي يريدون تطبيقه! لا أستغرب أيضا أن ينحصر اهتمام جيل الشباب في مسألة الدوائر الخمس والتخوف من الحل غير الدستوري، فهذا الجيل مازال يتحرك ضمن الإطار الفكري للجيل القديم، وهو جيل قاتل من أجل حقوقنا السياسية، ولكنه نام عن حقوقنا المدنية، مع الأسف الشديد! يشتد حماس الشباب في التظاهر دفاعاً عن دوائر انتخابية أو عن تعطيل للحياة النيابية، وهذه كلها أمور محمودة، ولكن هذا الحماس سرعان ما يصيبه الفتور عند التصدي لتشريع نيابي يدوس على أبسط حق من حقوقهم المدنية!
نعم، الديموقراطية هي أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، ولكن الاتفاق على خطوط حمراء لا تتجاوزها هذه الديموقراطية كفيل بحماية الشعب من نفسه! سوء استغلال السلطة لا يقتصر على السلوك الفردي فقط، بل يتعداه إلى السلوك الجماعي أيضا. إن شبح هذه الأغلبية التي تريد لإرادتها أن تسود باسم الدين قادم لا محالة، ولن يخلصنا من سطوة هذا الشبح سوى الاهتمام بإرساء قواعد المجتمع المدني، وهنا تحديداً تكمن المهمة الصعبة الملقاة على عاتق جيل اليوم.
الأربعاء، 29 يوليو 2009
جيل اليوم والمهمة الصعبة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق