يقطع الضوء مسافة قدرها 300 ألف كيلومتر تقريباً في الثانية الواحدة، وتقدر المسافة بين الأرض وبين أقرب نجم، وهو الشمس، بنحو 150 مليون كيلومتر، وهذا يعني أن الضوء المنبعث من الشمس يحتاج إلى 8 دقائق تقريباً ليصل إلى أعيننا! لذا فإن الشمس التي نراها في لحظة معينة ليست هي الشمس في صورتها الحقيقية، بل في صورة التقطت قبل 8 دقائق تقريبا! ماذا عن بقية النجوم؟ النجم الأقرب إلينا بعد الشمس يُعرف باسم Alpha Centauri، ويبعد عن كوكبنا مسافة تقدر بأربع سنوات ضوئية! من هنا يصبح من المنطقي القول إنك عندما تتأمل صفحة السماء في ليلة صحو صافية فإنك تتأمل صفحة من صفحات الماضي البعيد، فهذه النجوم المتناثرة أمام عينيك ليست سوى «ألبوم» من الصور القديمة!
هل كان العرب الأوائل، خصوصاً الشعراء منهم، على دراية بهذه الحقيقة العلمية؟ قطعاً لا، لكنهم نجحوا مع ذلك في توريث عادة «التحديق في السماء» من جيل إلى جيل، وهي عادة لم تزل تؤدي دوراً حيوياً في تشكيل الذهنية العربية الإسلامية على مر العصور حتى وقتنا الحالي! إذا كان النظر إلى صفحة السماء نظراً في الماضي البعيد، فإن هذه الأمة مدمنة على الالتفات إلى أعلى، فعقارب الساعة عندها لاتزال متوقفة عند القرن السابع للميلاد. إنها أمة تتمسك بالتفسير الحرفي للتراث كطريقة وحيدة للخلاص، حتى إن جاء هذا التفسير منافيا لأكثر مفاهيم العلم رسوخاً واتزاناً!
البحث عن الرمز الكامن في النص، كبديل للتفسير الحرفي، من شأنه أن يجنّب الدين مواجهة غير ضرورية مع العلم، وهذا الأخير مقاتل شرس ولا يرحم، وإن كنتم في شك من ذلك فسلوا الدين المسيحي ينبئكم! إن الإصرار على قراءة النص المقدس قراءة حرفية فيه من المخاطر ما لا تحمد عقباه، وإن وقع المحظور فلن تسعفنا تلك القائمة الطويلة من كتب «الإعجاز العلمي في القرآن»، ولا حتى استبدال التفاسير القديمة بأخرى حديثة! لكن ماذا يحدث يا ترى لو جاء التفسير الحرفي مناقضاً لحقيقة علمية أو منطقية؟ هناك ثلاثة احتمالات:
1 - إيجاد نوعين متناقضين من التفاسير:
لعل قصة «الإسراء والمعراج» تصلح أن تكون مثالاً على التجاذب بين التفسير الحرفي من جهة، والبحث عن الإشارة الرمزية من جهة أخرى، فالمعروف أن رواية «ابن اسحاق» في هذا الشأن تستند إلى رواية عائشة ومعاوية، وهي رواية تشير إلى الإسراء والعروج بالروح دون الجسد، ولو تم اعتماد هذه الرواية لتحققت فائدتان على الأقل: الأولى تجنبنا مصادمة مع حقيقة علمية تفيد بأن لا شيء أسرع من سرعة الضوء، والثانية إتاحة الفرصة للعقل في البحث عن الرمز الكامن في قصة الإسراء والمعراج! ومع ذلك، فقد تم إقصاء رواية «ابن اسحاق» واعتماد الحجج التي قدمها «الطبري» للتأكيد على الإسراء والعروج بالروح والجسد معاً!
2 - استبدال تفسير قديم بآخر حديث:
في الآية 41 من سورة «العنكبوت» نقرأ: «وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت». قرأت تفسير هذه الآية في كتب القدماء من أمثال «ابن كثير»، و«الطبري»، و«البغوي»، ومن المحدثين الشيخ «السعدي»، وقد جاءت كل هذه التفاسير متطابقة في ما بينها لتؤكد أن أضعف البيوت هو بيت العنكبوت، أي انها تفاسير اعتمدت القراءة الحرفية للآية. لكن ماذا يقول علم البيولوجيا حول بيت العنكبوت؟ خيوط العنكبوت من أقوى الأنسجة في الطبيعة، ولها قدرة مطاطية تمتد إلى نحو 40 في المئة من طولها الكلي دون أن تتعرض للانقطاع! إضافة إلى ذلك، خيوط العنكبوت أقوى من الحديد ذاته، لكن ليست لها كثافة الحديد! لو احترمنا رأي العلم في هذا الشأن، فإن أسلم طريقة لتفسير الآية المذكورة أعلاه هي أن نحاول البحث عما ترمز إليه تلك الآية ونأخذ العبر منها، لكن ما يحدث على أرض الواقع، مع الأسف الشديد، هو محاولة مستميتة للتشبث بالتفسير الحرفي! أحد المفسرين المحدثين ممن سمع برأي العلم في هذا الشأن يقول «إن المقصود بالوهن هو بيت العنكبوت وليست خيوطه»! حسنا، ولكن بيت العنكبوت نفسه مصنوع من هذه الخيوط!
3 - اعتماد التفسير الحرفي:
عندما سُئل الشيخ «صالح الفوزان» عن الآية التي تقول: «والشمس تجري لمستقر لها»، أجاب قائلا: «الآية على ظاهرها أن الشمس تجري، يعني تسير في الفلك ليلاً ونهاراً مستمرة فينشأ عن ذلك حصول الليل والنهار بإذن الله، وهذا فيه دليل على أن الشمس تجري وأن الأرض ثابتة عكس ما يقوله جهلة الفلكيين اليوم»!
لو بُعث «كوبرنيكوس» من قبره وقرأ كلام «الفوزان» لظن أنه لم يلبث في قبره إلا يوما أو بعض يوم، لكن «كوبرنيكوس» المسكين لا يعلم أننا مازلنا بعد كل هذه القرون من الزمن مجرد شعوب متعلقة أبصارها بصفحة السماء!
الأربعاء، 29 يوليو 2009
شعوب تحدّق في السماء
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق