في ظل وجود دعوات لمكافحة ما يسمى بالظواهر السلبية الدخيلة، وفي ظل وجود دعوات أخرى لتحرير الاقتصاد، يصبح من حق الدينار في جيبي أن يتباهى بأنه يتمتع بمقدار من الحرية أكبر بكثير مما أتمتع به أنا نفسي! لله درّ هذا الدينار اللعين في جيبي، فهو يملك من الحرية ما يسمح له بسهولة التنقل من الكويت إلى واشنطن، ومن طوكيو إلى لندن، يجوب الكرة الأرضية بلمح البصر، عن طريق الضغط على زر صغير في جهاز الكمبيوتر، بينما أحتاج أنا إلى الوقوف في طابور طويل أمام السفارة الأميركية للحصول على «فيزا» دراسية، وبعد أن أخذوا بصمات أصابعي العشرين (يداي وقدماي!)، لم أتمكن من الحصول على «الفيزا»! خرجت من السفارة، ملقياً باللوم على «بن لادن»، بينما انحنى الدينار في جيبي مترحماً على روح «فريدمان»!
الدينار في جيبي اليوم، لكنه بالأمس كان ثلاثة دولارات في جيب «سام»، وسيكون غداً بضع مئات من الينّات اليابانية في جيب «فوكوزاوا»، بينما لم أرَ في حياتي «سام»، ولا أعرف مَن يكون «فوكوزاوا»! لله درّ هذا الدينار اللعين في جيبي، ذلك أن له من الأحباب والأصدقاء ما يفوق بكثير ما لدي من أحباب وأصدقاء! إذا خاصم الدينار في جيبي فَجَر، وبالرغم من أنه لا يزور الفقراء إلا في ما ندر، فإنه يظل محبوباً من قبل الفقير والغني على حد سواء!
من حسن حظ الدينار في جيبي أننا نعيش زمن «ميركوريوس» (إله التجارة عند الرومان)، فبفضل سياسة الخصخصة على طريقة «تاتشر»، وبفضل سياسة إزالة القيود على طريقة «ريغان»، أصبح للدينار في جيبي طموحه الشخصي، فهو يتسلق السلم الاجتماعي بسرعة وحيوية، ويطير بخفة نحو الأعلى من دون أن يلتفت نحو الأسفل! لقد ولّى زمان «كينز» ونظام «بريتون وودز»، واستطاع الدينار في جيبي أن يتخلص من القيود كلها، وأن يطير بلا جناحين، متحدِّياً حتى قانون الجاذبية! كان أرسطو يظن أن الأجسام تسقط إلى أسفل لأن هذا هو مكانها الطبيعي، لكن لو كان «المعلم الأول» يعيش في زمن «الليبرالية الجديدة» الذي نعيشه اليوم، فإنه حتما سيقوم باستثناء حركة تنقل رؤوس الأموال من هذا القانون!
لم ولن أحسد غنيّا من الأغنياء في حياتي، لأن الغنى في ذاته لا يقع ضمن أهدافي الشخصية، وهي أهداف تبدو تافهة في نظر عبيد «ميركوريوس»، لكني لم أكن أتصور أن يأتي يوم أحسد فيه الدينار في جيبي!
الخميس، 30 يوليو 2009
الدينار اللعين في جيبي!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق