في ظل الواقع السياسي المحلي الجديد، ستحتاج المرحلة المقبلة إلى تضافر الجهود لمواجهة أمرين في غاية الخطورة: الأمر الأول، يتعلق بحملة شرسة ضد الحريات المدنية تحت قيادة التيار الرجعي. والثاني، يتعلق بحملة شرسة على القطاع العام تحت قيادة التيار النيوليبرالي. الحملة الأولى ترفع شعار الدين وتستهدف النيل من الحرية، والحملة الثانية ترفع شعار الخصخصة وتستهدف النيل من الديمقراطية.
مَن يرفع شعار «أسلمة القوانين» يقف ضد الدستور، ذلك أن من المستحيل الجمع بين أسلمة القوانين والحفاظ على الدستور، وهذه مشكلة فكرية قبل أن تكون مشكلة سياسية، فنحن مازلنا نجزع من نبش التراث لمعرفة مدى توافقه مع متطلبات الزمن الحاضر، فضلاً عن معرفة مدى صحته! لقد أصبحت المادة الثانية من الدستور أشبه بحصان طروادة، فمن خلالها تم اختراق الدستور وتفكيكه من الداخل.
انقضت الآن الحملات الانتخابية، ولم يعد هناك مبرر إلى تملق الجمهور واستجداء أصوات الناخبين والخوف من إثارة غضبهم، لذا ينبغي لنواب البرلمان من غير المنتمين إلى التيار الرجعي أن يحددوا منذ هذه اللحظة موقفهم الصريح من أسلمة القوانين والتعدي على دستور البلاد، كما ينبغي أيضا أن تستعد منظمات المجتمع المدني (إن وجدت) والحركات الطلابية وجمعيات النفع العام لمواجهة هذه الهجمة الرجعية الشرسة ضد الحريات المدنية.
إذا كان شعار «أسلمة القوانين» يعني القضاء على الحرية وهدم الدستور، فإن شعار «الخصخصة» يشير إلى تقليص مساحة الديمقراطية، ذلك أن انتقال الملكية يعني انتقال السلطة أيضاً، فالبرلمان يملك الحق في محاسبة المشرفين على إدارة مؤسسة عامة، مثلاً، لكنه يفقد هذا الحق تلقائياً بمجرد انتقال ملكية هذه المؤسسة إلى القطاع الخاص، لذا فإن النتيجة الطبيعية لعملية الخصخصة هي انتقال السلطة من أعضاء البرلمان إلى رجال الأعمال! الحجج التي يسوقها أنصار الخصخصة كثيرة، لعل من أبرزها الحجة التي تفيد بأن القطاع الخاص أكثر كفاءة وفعالية من القطاع العام، لكن هذه ليست حقيقة مطلقة، ثم إنها إنْ صحّت فإن السبب لا يعود إلى فضيلة متأصلة في القطاع الخاص، بل إلى نقيصة متجذرة في الطبيعة البشرية، فالحرص على المال الخاص أشد من الحرص على المال العام! من يدري؟ لعل الحاجة إلى دروس في التربية الأخلاقية أكثر من الحاجة إلى برامج الخصخصة!
من العبث أن تخوض معركة من دون استعداد مسبق، ومن الحماقة أن تنجرف إلى معركة على جبهتين! مازلنا مع الأسف غير مستعدين لهذا الهجوم الثنائي الشرس على الحرية من جانب، وعلى الديمقراطية من جانب آخر، ويبدو أن استعداد جيل الشباب لموسم السياحة والسفر أكثر من استعداده لخوض معارك قادمة! سافروا هذا الصيف واستمتعوا، لكن ما المانع أن تصطحبوا معكم في سفركم كتاباً عن «تاريخ الأديان» أو «مخاطر الخصخصة»؟ علينا جميعاً أن نسارع إلى اكتساب الحد الأدنى من المعرفة والقدرة على التنظيم وإثارة الرأي العام، وإلا فإننا سنغدو فريسة سهلة لهجوم ثنائي شرس!
أخيراً، من السهل متابعة أخبار الحملة الشرسة على الحريات المدنية من خلال متابعة تصريحات بعض نواب البرلمان، لكن مَن أراد أن يتابع الحملة الشرسة على القطاع العام فعليه بقراءة الصفحات الاقتصادية في الصحف المحلية! كي أعطي القارئ نبذة عن شراسة هذه الحملة، سأدعوه إلى قراءة الفقرة التالية، والتي لا تخلو من نبرة تحريضية واضحة، وهي فقرة جاءت ضمن تقرير صحفي في الصفحة الاقتصادية لإحدى الصحف المحلية قبل أسبوع تقريباً:
«على القطاع الخاص ألا ينتظر أن تأتيه المشاريع تفاحة مقشرة على طبق من ذهب، إنه معنيّ هو الآخر بكل أطيافه ومنابر صوته واتحاداته المهنية بتشكيل قوة دعم للحكومة نحو اطلاق التنمية والاستثمار من عقالهما. قالها يوماً الوزير السابق اسماعيل الشطي لرجال الأعمال: إنكم تفتقدون لـ«لوبي» ضغط يدافع عن مصالحكم. قالها يوم سحبت الدولة من المستثمرين عدة مشاريع B.O.T.. ماذا تحقق منذ ذلك الحين إلى اليوم على هذا الصعيد؟ ما عدد النواب الذين استطاع مجتمع الأعمال دعمهم للوصول إلى البرلمان؟ ما أوجه التضامن التي تجلت عندما تعرضت مصالح في البورصة وغيرها للأخذ والرد؟ وهنا قد نكون لامسنا خطوطاً حمراء، أليس كذلك؟.. إلى الوراء در!»
مَن يرفع شعار «أسلمة القوانين» يقف ضد الدستور، ذلك أن من المستحيل الجمع بين أسلمة القوانين والحفاظ على الدستور، وهذه مشكلة فكرية قبل أن تكون مشكلة سياسية، فنحن مازلنا نجزع من نبش التراث لمعرفة مدى توافقه مع متطلبات الزمن الحاضر، فضلاً عن معرفة مدى صحته! لقد أصبحت المادة الثانية من الدستور أشبه بحصان طروادة، فمن خلالها تم اختراق الدستور وتفكيكه من الداخل.
انقضت الآن الحملات الانتخابية، ولم يعد هناك مبرر إلى تملق الجمهور واستجداء أصوات الناخبين والخوف من إثارة غضبهم، لذا ينبغي لنواب البرلمان من غير المنتمين إلى التيار الرجعي أن يحددوا منذ هذه اللحظة موقفهم الصريح من أسلمة القوانين والتعدي على دستور البلاد، كما ينبغي أيضا أن تستعد منظمات المجتمع المدني (إن وجدت) والحركات الطلابية وجمعيات النفع العام لمواجهة هذه الهجمة الرجعية الشرسة ضد الحريات المدنية.
إذا كان شعار «أسلمة القوانين» يعني القضاء على الحرية وهدم الدستور، فإن شعار «الخصخصة» يشير إلى تقليص مساحة الديمقراطية، ذلك أن انتقال الملكية يعني انتقال السلطة أيضاً، فالبرلمان يملك الحق في محاسبة المشرفين على إدارة مؤسسة عامة، مثلاً، لكنه يفقد هذا الحق تلقائياً بمجرد انتقال ملكية هذه المؤسسة إلى القطاع الخاص، لذا فإن النتيجة الطبيعية لعملية الخصخصة هي انتقال السلطة من أعضاء البرلمان إلى رجال الأعمال! الحجج التي يسوقها أنصار الخصخصة كثيرة، لعل من أبرزها الحجة التي تفيد بأن القطاع الخاص أكثر كفاءة وفعالية من القطاع العام، لكن هذه ليست حقيقة مطلقة، ثم إنها إنْ صحّت فإن السبب لا يعود إلى فضيلة متأصلة في القطاع الخاص، بل إلى نقيصة متجذرة في الطبيعة البشرية، فالحرص على المال الخاص أشد من الحرص على المال العام! من يدري؟ لعل الحاجة إلى دروس في التربية الأخلاقية أكثر من الحاجة إلى برامج الخصخصة!
من العبث أن تخوض معركة من دون استعداد مسبق، ومن الحماقة أن تنجرف إلى معركة على جبهتين! مازلنا مع الأسف غير مستعدين لهذا الهجوم الثنائي الشرس على الحرية من جانب، وعلى الديمقراطية من جانب آخر، ويبدو أن استعداد جيل الشباب لموسم السياحة والسفر أكثر من استعداده لخوض معارك قادمة! سافروا هذا الصيف واستمتعوا، لكن ما المانع أن تصطحبوا معكم في سفركم كتاباً عن «تاريخ الأديان» أو «مخاطر الخصخصة»؟ علينا جميعاً أن نسارع إلى اكتساب الحد الأدنى من المعرفة والقدرة على التنظيم وإثارة الرأي العام، وإلا فإننا سنغدو فريسة سهلة لهجوم ثنائي شرس!
أخيراً، من السهل متابعة أخبار الحملة الشرسة على الحريات المدنية من خلال متابعة تصريحات بعض نواب البرلمان، لكن مَن أراد أن يتابع الحملة الشرسة على القطاع العام فعليه بقراءة الصفحات الاقتصادية في الصحف المحلية! كي أعطي القارئ نبذة عن شراسة هذه الحملة، سأدعوه إلى قراءة الفقرة التالية، والتي لا تخلو من نبرة تحريضية واضحة، وهي فقرة جاءت ضمن تقرير صحفي في الصفحة الاقتصادية لإحدى الصحف المحلية قبل أسبوع تقريباً:
«على القطاع الخاص ألا ينتظر أن تأتيه المشاريع تفاحة مقشرة على طبق من ذهب، إنه معنيّ هو الآخر بكل أطيافه ومنابر صوته واتحاداته المهنية بتشكيل قوة دعم للحكومة نحو اطلاق التنمية والاستثمار من عقالهما. قالها يوماً الوزير السابق اسماعيل الشطي لرجال الأعمال: إنكم تفتقدون لـ«لوبي» ضغط يدافع عن مصالحكم. قالها يوم سحبت الدولة من المستثمرين عدة مشاريع B.O.T.. ماذا تحقق منذ ذلك الحين إلى اليوم على هذا الصعيد؟ ما عدد النواب الذين استطاع مجتمع الأعمال دعمهم للوصول إلى البرلمان؟ ما أوجه التضامن التي تجلت عندما تعرضت مصالح في البورصة وغيرها للأخذ والرد؟ وهنا قد نكون لامسنا خطوطاً حمراء، أليس كذلك؟.. إلى الوراء در!»
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق