المحافظة هي مقاومة التغيير، والمجتمع المحافظ هو المجتمع الذي يعتمد على بث الخوف المتبادل بين أفراده لضمان أولوية الجماعة على حساب الفرد، وأولوية الموروث على حساب المكتسب! إن صح تعريفي الخاص للمجتمع المحافظ، فهذا يعني أن المحافظة تعتبر عقبة حقيقية في حياة كل فرد، وأن المجتمع المحافظ يشكل تهديدا لكل نزعة فردية أصيلة! هذا المقال هو محاولة لتسليط الضوء على أبرز ملامح المجتمع المحافظ ومدى تأثيرها على حياة الفرد·
هناك تشابه بين المجتمعات المحافظة من جهة والطبيعة من جهة أخرى، فالطبيعة تضمن توريث الجينات من جيل إلى جيل، والمجتمع المحافظ يضمن توريث السلوك من جيل إلى جيل· لكن وجه التشابه يقف عند هذا الحد، فالطفرة الجينية هي بمثابة تجديد في شكل الطبيعة، أما النزعة الفردية فهي بمثابة تهديد لثوابت المجتمع المحافظ! هذا يعني أن الطفرة الجينية تتحدى النسخة الطبيعية المورّثة، ومع ذلك تبتسم الطبيعة مفسحة المجال للتجديد والتنوع، والنزعة الفردية تقاوم نسخة السلوك الاجتماعي الوراثي، لكن المجتمع المحافظ يكفهر ويتجهم ويعتبر ذلك تمردا! ماذا لو اتخذت الطبيعة من المجتمع المحافظ قدوة لها؟ ماذا لو حاربت الطبيعة كل طفرة جديدة في السلم الوراثي؟ الجواب العلمي المباشر هو أن فرصة وجودنا على هذا الكوكب ستكون مستحيلة!
الثبات يعني الموت، والمجتمع المحافظ يركن إلى الثبات ويقاوم التغيير، ومن هنا نستنتج أن المجتمع المحافظ مجتمع ميت· لا تقف علاقة المجتمع المحافظ بالموت عند هذا الحد، ذلك أن إصرار المجتمع المحافظ على حث الخلَف على اتباع السلف يعني أن الأموات يحكمون الأحياء، وأن من يقبع تحت الأرض يتحكم بمصير من يمشي على الأرض· عندما يدخل الدين كطرف في هذه المعادلة، فإن الفرد يصبح محكوما من فوق ومن تحت! غريزة الخوف هي التي تضمن بقاء الفرد في هذا الوضع، وهي غريزة يستثمرها المجتمع المحافظ بشكل أفقي، ويستثمرها الدين بشكل عمودي· بمعنى آخر، رسالة المجتمع المحافظ للفرد هي: "انظر يمينا وشمالا، احذر من أفواه الناس!"، ورسالة الدين للفرد هي: "انظر إلى أعلى وتذكر أن مصيرك إلى أسفل!"·
شعار المجتمع المحافظ هو "مصلحة الجماعة على حساب مصلحة الفرد"، وهو شعار يقود إلى ذوبان شخصية الفرد وتواريها تحت عباءة الجماعة، فالفرد تم اختزاله إلى رقم وهوية، وهوية الجماعة ليست سوى شهادة حسن سلوك اجتماعي يحدد قواعده أهل القبور وتضمن بقاءه العقلية المحافظة! يكاد أفراد المجتمع المحافظ أن يكونوا متشابهين، فالعمل على خلق نماذج متشابهة يشكل قوام المجتمع المحافظ، وهذا يعني أن علاقة صداقة مع فرد واحد ربما تغني عن إقامة علاقات صداقة إضافية! أعتقد أيضا أن من السخف إجراء استبيان علني حول مسألة جوهرية تمس صميم المجتمع المحافظ، فهذا النوع من المجتمعات لا يسمح بتعدد الآراء حول مسألة حساسة تهدد بقاءه!
"الفرد المطيع" هو النموذج الغالب في المجتمع المحافظ، لكن هناك أيضا نموذج "الفرد المتمرد"· التمرد هو تعبير عن حالة عدم انسجام، وتمرد الأفراد على قيم المجتمع المحافظ يأتي عادة على شكل ردة فعل عاطفية، تتصف بالعنف وتعمّد الإساءة، وأعتقد أن هذا ينطبق على أغلب الكتابات "الليبرالية" في المجتمعات العربية! مظاهر تأثير المجتمع المحافظ على حياة الفرد كثيرة، منها الإذعان من دون معارضة، ومنها الصراخ والتذمر بكل حماقة!
أنجح طريقة للتخلص من سطوة المجتمع المحافظ هي اعتماد أسلوب عدم المبالاة، فإذا كانت أقوالك وأفعالك ناتجة عن قناعة ذاتية، فلا يهم عندها ماذا يقول الناس، فلن يزيد مديحهم من قناعتك، ولن يقلل ذمهم من عزيمتك! لو اعتمد الجميع هذا الأسلوب، لاختفت الغيبة والنميمة، ولدبت الحياة في المجتمع من جديد! عندها، وعندها فقط، يكف الفرد عن النظر بأعين وجلة إلى كل الجهات، ويقدر بحق قيمة هذه الحياة!
الأربعاء، 8 يوليو 2009
المجتمع المحافظ والنزعة الفردية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق