الرائحة الكريهة للأزمة المالية العالمية بدأت تفوح في الكويت، ولو كان لدينا القدر الأدنى من الشفافية، فإن الأيام المقبلة قد تأتي محمّلة بأخبار عن خسائر مالية في أماكن أخرى.
في اليوم التاسع من هذا الشهر، كتب السيد جاسم خالد السعدون مقالا هنا في «الجريدة»، تحت عنوان «الأزمة... هل هي أزمة؟»، حاول من خلاله التقليل من خطر تداعيات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد المحلي، ومن ضمن ما جاء في مقاله الأسطر التالية:
«لكي تدخل الكويت المرحلة الثانية من الأزمة، لابد أن تكون البنوك الكويتية متورطة في قروض مقابل رهون لا تساوي قيمتها، والبنوك الكويتية لا تقبل رهن المنازل، ولا تقرض بضمان الأسهم والعقار إلا بضمانات تساوي 150% من قيمة القرض، وجميع البنوك من دون استثناء أصدرت بيانات مالية عالية الربحية».
صحيح أن البنوك الكويتية لا تقبل رهن المنازل، لكن لم يوضح لنا السيد السعدون هل تقبل البنوك الكويتية أن تتورط أموال عملائها في رهون عقارية خارج الكويت، وبالتحديد في أميركا؟ ثم هل مازال السيد السعدون واثقا من أننا لم ندخل المرحلة الثانية حسب التصنيف الذي وضعه للأزمة المالية، خصوصا بعد تورط بنك الخليج في خسائر كبيرة من جرّاء الدخول في تعاملات في سوق المشتقات؟ عندما انتشرت أخبار الخسائر الكبيرة لبنك الخليج، توقعنا من السيد السعدون أن يعترف على الأقل أننا بدأنا فعلا في الدخول في المرحلة الثانية حسب التصنيف الذي وضعه هو بنفسه، لكنه اكتفى بالتصريح التالي:
«في حدود المنشور نحن لا نعرف سوى أن بنك الخليج تدخل مضطرا لتغطية مراكز خاسرة ناتجة عن التعامل بالمشتقات لمصلحة عملائه بعد أن رفض عملاؤه تغطية تلك الخسائر، ونحن لا نعرف لماذا يرفض العملاء تغطية خسائرهم، ولا نعرف لماذا لم يكن البنك مغطى من الناحية القانونية بما يكفي لفصل مخاطر تعاملات العملاء من خارج الموازنة عن التأثير في ميزانيته». (انظر «الجريدة»، 27 أكتوبر 2008)
هل فعلا لا يعلم السيد السعدون لماذا يرفض العملاء تغطية خسائرهم؟ أشك في ذلك، فالسعدون يعلم جيدا أن تورط طرف محلي في سوق المشتقات الأميركي يعني ببساطة أن الطرف المحلي قدم قروضا كبيرة لبنوك أجنبية على أمل جني فائدة كبيرة في فترة وجيزة، لكن البنوك الأجنبية استخدمت هذه القروض لمنحها لأفراد وجهات أميركية غير قادرة على السداد، وبالتالي فإن إفلاس البنوك الأجنبية يعني إفلاس الطرف المحلي بالضرورة! ثم هل فعلا لا يعرف السيد السعدون لماذا لم يكن البنك مغطى من الناحية القانونية؟ لقد تم تغييب البنك المركزي بالكامل عما يجري من ممارسات غير مسؤولة من قبل بعض البنوك المحلية، خصوصا أن «البيانات الخاصة بتعامل العملاء في تلك المشتقات لم يتم وضعها تحت نظر بنك الكويت المركزي» (انظر القبس، 27 أكتوبر).
لكن يبدو أن السيد السعدون ليس الوحيد في محاولته التقليل من حجم الكارثة، فرئيس المديرين العامين في بنك الكويت الوطني السيد «إبراهيم دبدوب» صرح لقناة «سي إن بي سي» قائلا:
«إن الخسائر التي وقعت ببنك الخليج غير متوقعة، لكونها جاءت من تعاملات العملاء، ولا دخل للبنك فيها، وإن باقي حقوق المساهمين والعملاء محفوظة، وما حدث سيعرض البنك لخسارة في الأرباح فقط»... لافتا إلى أن «المركزي يطلب بيانات مستمرة عن البنوك، وأن ما حدث جاء من خلال مضاربة العملاء، وأن ما حدث في بنك الخليج قد يحدث في معظم البنوك العالمية الأخرى».
لست أفهم كيف يمكن إعفاء بنك الخليج من المسؤولية عن حجم الخسائر التي نتجت عن تعاملات غير مسؤولة من قبل أحد عملائه؟ إذا كان ما يقوله السيد «دبدوب» صحيحا، فلماذا خسر البنك أصلا؟ نحن أمام احتمالين لاثالث لهما: إما أن تكون إدارة بنك الخليج «نائمة في العسل» ولا تدري عن مخاطرة بعض عملائها بأموال المساهمين في البنك، وإما أن تكون إدارة البنك متورطة في عمليات ضمن سوق المشتقات، وأنها اتخذت من بعض عملائها حلقة وصل في هذه العلميات كي تتجاوز رقابة البنك المركزي، لكن في كلتا الحالتين تكون إدارة بنك الخليج مسؤولة عن الخسائر الجسيمة.
من حق المساهمين في بنك الخليج معرفة هوية العملاء الذين تسببوا في خسارة البنك، ومن حقنا كمواطنين، خصوصا بعد تدخل البنك المركزي في الأمر، معرفة متى تحديدا تورط بنك الخليج في التعاملات المتعلقة بسوق المشتقات؟ إذا كان استثمار البنك لأمواله في هذه السوق تمّ قبل الإعلان عن الأزمة المالية العالمية في سبتمبر الماضي، فإن مسؤولية البنك في هذه الحالة تنحصر في القيام باستثمار فاشل ضمن حسابات خاطئة. لكن إذا كان الاستثمار تمّ بعد الإعلان عن الأزمة، فإن المحصلة هي أن بنك الخليج قام بعملية مقامرة واضحة، ويتحمل عندئذ مسؤولية المخاطرة بأموال المساهمين، سواء كان ذلك بطريقة مباشرة، أم بطريقة غير مباشرة من خلال بعض العملاء!
أخيرا، إذا كانت الخسائر المالية لبنك الخليح ناتجة عن التعامل في سوق المشتقات، فلماذا لم يتم الإعلان عن هذه الخسائر إلا في هذا الوقت المتأخر نسبيا؟ هل حاول البنك التستر على خسائره لأطول فترة زمنية ممكنة؟ الرائحة الكريهة للأزمة المالية العالمية بدأت تفوح في الكويت، ولو كان لدينا القدر الأدنى من الشفافية، فإن الأيام المقبلة قد تأتي محمّلة بأخبار عن خسائر مالية في أماكن أخرى.
- ملاحظة: تمت كتابة هذا المقال يوم الاثنين الماضي، الموافق 27 أكتوبر، وسأتطرق إلى ما يستجد من أمور حول هذا الموضوع في مقال الاثنين المقبل.
في اليوم التاسع من هذا الشهر، كتب السيد جاسم خالد السعدون مقالا هنا في «الجريدة»، تحت عنوان «الأزمة... هل هي أزمة؟»، حاول من خلاله التقليل من خطر تداعيات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد المحلي، ومن ضمن ما جاء في مقاله الأسطر التالية:
«لكي تدخل الكويت المرحلة الثانية من الأزمة، لابد أن تكون البنوك الكويتية متورطة في قروض مقابل رهون لا تساوي قيمتها، والبنوك الكويتية لا تقبل رهن المنازل، ولا تقرض بضمان الأسهم والعقار إلا بضمانات تساوي 150% من قيمة القرض، وجميع البنوك من دون استثناء أصدرت بيانات مالية عالية الربحية».
صحيح أن البنوك الكويتية لا تقبل رهن المنازل، لكن لم يوضح لنا السيد السعدون هل تقبل البنوك الكويتية أن تتورط أموال عملائها في رهون عقارية خارج الكويت، وبالتحديد في أميركا؟ ثم هل مازال السيد السعدون واثقا من أننا لم ندخل المرحلة الثانية حسب التصنيف الذي وضعه للأزمة المالية، خصوصا بعد تورط بنك الخليج في خسائر كبيرة من جرّاء الدخول في تعاملات في سوق المشتقات؟ عندما انتشرت أخبار الخسائر الكبيرة لبنك الخليج، توقعنا من السيد السعدون أن يعترف على الأقل أننا بدأنا فعلا في الدخول في المرحلة الثانية حسب التصنيف الذي وضعه هو بنفسه، لكنه اكتفى بالتصريح التالي:
«في حدود المنشور نحن لا نعرف سوى أن بنك الخليج تدخل مضطرا لتغطية مراكز خاسرة ناتجة عن التعامل بالمشتقات لمصلحة عملائه بعد أن رفض عملاؤه تغطية تلك الخسائر، ونحن لا نعرف لماذا يرفض العملاء تغطية خسائرهم، ولا نعرف لماذا لم يكن البنك مغطى من الناحية القانونية بما يكفي لفصل مخاطر تعاملات العملاء من خارج الموازنة عن التأثير في ميزانيته». (انظر «الجريدة»، 27 أكتوبر 2008)
هل فعلا لا يعلم السيد السعدون لماذا يرفض العملاء تغطية خسائرهم؟ أشك في ذلك، فالسعدون يعلم جيدا أن تورط طرف محلي في سوق المشتقات الأميركي يعني ببساطة أن الطرف المحلي قدم قروضا كبيرة لبنوك أجنبية على أمل جني فائدة كبيرة في فترة وجيزة، لكن البنوك الأجنبية استخدمت هذه القروض لمنحها لأفراد وجهات أميركية غير قادرة على السداد، وبالتالي فإن إفلاس البنوك الأجنبية يعني إفلاس الطرف المحلي بالضرورة! ثم هل فعلا لا يعرف السيد السعدون لماذا لم يكن البنك مغطى من الناحية القانونية؟ لقد تم تغييب البنك المركزي بالكامل عما يجري من ممارسات غير مسؤولة من قبل بعض البنوك المحلية، خصوصا أن «البيانات الخاصة بتعامل العملاء في تلك المشتقات لم يتم وضعها تحت نظر بنك الكويت المركزي» (انظر القبس، 27 أكتوبر).
لكن يبدو أن السيد السعدون ليس الوحيد في محاولته التقليل من حجم الكارثة، فرئيس المديرين العامين في بنك الكويت الوطني السيد «إبراهيم دبدوب» صرح لقناة «سي إن بي سي» قائلا:
«إن الخسائر التي وقعت ببنك الخليج غير متوقعة، لكونها جاءت من تعاملات العملاء، ولا دخل للبنك فيها، وإن باقي حقوق المساهمين والعملاء محفوظة، وما حدث سيعرض البنك لخسارة في الأرباح فقط»... لافتا إلى أن «المركزي يطلب بيانات مستمرة عن البنوك، وأن ما حدث جاء من خلال مضاربة العملاء، وأن ما حدث في بنك الخليج قد يحدث في معظم البنوك العالمية الأخرى».
لست أفهم كيف يمكن إعفاء بنك الخليج من المسؤولية عن حجم الخسائر التي نتجت عن تعاملات غير مسؤولة من قبل أحد عملائه؟ إذا كان ما يقوله السيد «دبدوب» صحيحا، فلماذا خسر البنك أصلا؟ نحن أمام احتمالين لاثالث لهما: إما أن تكون إدارة بنك الخليج «نائمة في العسل» ولا تدري عن مخاطرة بعض عملائها بأموال المساهمين في البنك، وإما أن تكون إدارة البنك متورطة في عمليات ضمن سوق المشتقات، وأنها اتخذت من بعض عملائها حلقة وصل في هذه العلميات كي تتجاوز رقابة البنك المركزي، لكن في كلتا الحالتين تكون إدارة بنك الخليج مسؤولة عن الخسائر الجسيمة.
من حق المساهمين في بنك الخليج معرفة هوية العملاء الذين تسببوا في خسارة البنك، ومن حقنا كمواطنين، خصوصا بعد تدخل البنك المركزي في الأمر، معرفة متى تحديدا تورط بنك الخليج في التعاملات المتعلقة بسوق المشتقات؟ إذا كان استثمار البنك لأمواله في هذه السوق تمّ قبل الإعلان عن الأزمة المالية العالمية في سبتمبر الماضي، فإن مسؤولية البنك في هذه الحالة تنحصر في القيام باستثمار فاشل ضمن حسابات خاطئة. لكن إذا كان الاستثمار تمّ بعد الإعلان عن الأزمة، فإن المحصلة هي أن بنك الخليج قام بعملية مقامرة واضحة، ويتحمل عندئذ مسؤولية المخاطرة بأموال المساهمين، سواء كان ذلك بطريقة مباشرة، أم بطريقة غير مباشرة من خلال بعض العملاء!
أخيرا، إذا كانت الخسائر المالية لبنك الخليح ناتجة عن التعامل في سوق المشتقات، فلماذا لم يتم الإعلان عن هذه الخسائر إلا في هذا الوقت المتأخر نسبيا؟ هل حاول البنك التستر على خسائره لأطول فترة زمنية ممكنة؟ الرائحة الكريهة للأزمة المالية العالمية بدأت تفوح في الكويت، ولو كان لدينا القدر الأدنى من الشفافية، فإن الأيام المقبلة قد تأتي محمّلة بأخبار عن خسائر مالية في أماكن أخرى.
- ملاحظة: تمت كتابة هذا المقال يوم الاثنين الماضي، الموافق 27 أكتوبر، وسأتطرق إلى ما يستجد من أمور حول هذا الموضوع في مقال الاثنين المقبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق