لماذا تتشابه خطب الجمعة من حيث الشكل والأسلوب؟ لماذا يصعب التنبؤ بموضوع خطبة الجمعة من خلال سماع المقدمة، فالمقدمة هي ذاتها في كل خطبة جمعة؟ لماذا ينفر خطباء صلاة الجمعة من مخاطبة عقول المصلين؟ لماذا يتم انتهاك أبسط قوانين المنطق في كل خطبة دينية؟ لماذا يصر البعض على أن بعض المسائل الدينية لا يمكن الدفاع عنها بطريقة منطقية، و كأن تاريخنا الإسلامي لم يشهد شيخا في قامة الشيخ "النظام" المعتزلي، أو فيلسوفا كـ "ابن رشد"؟ يؤرقني هذا النوع من الأسئلة في كل يوم جمعة، ثم ينتهي بي التفكير إلى تخيل وجود "خطبة جمعة عصرية"، خطبة تحفز المصلين على التفكير ومقارعة الحجة بالحجة! هل بالإمكان وجود مثل هذا النوع من الخطب؟ لنرَ!
دعنا نفترض أن خطيبا يريد تصحيح الاعتقاد الشائع بأن غياب الدين يعني غياب الأخلاق، وأن الصحيح هو أن الأخلاق سابقة عن الدين· بإمكان هذا الخطيب أن يلجأ لقول الرسول (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) كي يدلل على الفكرة التي يريد إيصالها، وبإمكانه أيضا أن يبدأ خطبته على النحو التالي:
إخواني المسلمين، أريد أن أتطرق إلى موضوع الأخلاق وعلاقتها بالدين، وإلى طبيعة هذه العلاقة، و سأبدأ خطبتي هذه من خلال محاولة إيجاد إجابة عن السؤال التالي: هل من الممكن تخيل وجود أخلاق من دون دين؟ ربما خطر في بال أحدكم أن يجيب على النحو التالي: "متى ما وُجِد الدين، وُجِدت الأخلاق"! ليس لدي أدنى اعتراض على مضمون هذه الإجابة، لكنها إجابة غير مرتبطة بسؤالي السابق، فأنا أستفسر عن إمكانية وجود أخلاق في غياب الدين، و ليس في حضوره· ربما اعترض أحدكم ليقول: "لكن إذا كانت جملة متى ما وُجِد الدين، وُجِدت الأخلاق" صحيحة، فهذا يعني أن جملة "متى ما غاب الدين، غابت الأخلاق" أيضا صحيحة! هذا اعتراض خاطيء، و سأثبت ذلك من خلال المثال التالي:
(1) إذا كنا في شهر رمضان، صام المسلم
هذه جملة صحيحة، نظريا على الأقل، فكلما جاء شهر رمضان، صام المسلم، لكن ماذا عن الجملة التالية؟:
(2) إذا لم نكن في شهر رمضان، لا يصوم المسلم
ليس بالضرورة، فنحن نعلم أن بعض المسلمين لا يقتصر في صومه على شهر رمضان! الآن، إذا قسنا هذا المثال على الاعتراض السابق، فسنجد أنه إذا كانت جملة "متى ما وُجِد الدين، وُجِدت الأخلاق" صحيحة، فليس بالضرورة أن تكون جملة "متى ما غاب الدين، غابت الأخلاق" أيضا صحيحة!
ثم يختم الإمام خطبته راجيا من كل مَن له اعتراض أو تساؤل أن يلتقي به بعد أداء صلاة الجمعة!
و الآن، هل من الممكن وجود "خطبة جمعة عصرية"؟ أم أني أدمنت السباحة في الخيال؟!
دعنا نفترض أن خطيبا يريد تصحيح الاعتقاد الشائع بأن غياب الدين يعني غياب الأخلاق، وأن الصحيح هو أن الأخلاق سابقة عن الدين· بإمكان هذا الخطيب أن يلجأ لقول الرسول (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) كي يدلل على الفكرة التي يريد إيصالها، وبإمكانه أيضا أن يبدأ خطبته على النحو التالي:
إخواني المسلمين، أريد أن أتطرق إلى موضوع الأخلاق وعلاقتها بالدين، وإلى طبيعة هذه العلاقة، و سأبدأ خطبتي هذه من خلال محاولة إيجاد إجابة عن السؤال التالي: هل من الممكن تخيل وجود أخلاق من دون دين؟ ربما خطر في بال أحدكم أن يجيب على النحو التالي: "متى ما وُجِد الدين، وُجِدت الأخلاق"! ليس لدي أدنى اعتراض على مضمون هذه الإجابة، لكنها إجابة غير مرتبطة بسؤالي السابق، فأنا أستفسر عن إمكانية وجود أخلاق في غياب الدين، و ليس في حضوره· ربما اعترض أحدكم ليقول: "لكن إذا كانت جملة متى ما وُجِد الدين، وُجِدت الأخلاق" صحيحة، فهذا يعني أن جملة "متى ما غاب الدين، غابت الأخلاق" أيضا صحيحة! هذا اعتراض خاطيء، و سأثبت ذلك من خلال المثال التالي:
(1) إذا كنا في شهر رمضان، صام المسلم
هذه جملة صحيحة، نظريا على الأقل، فكلما جاء شهر رمضان، صام المسلم، لكن ماذا عن الجملة التالية؟:
(2) إذا لم نكن في شهر رمضان، لا يصوم المسلم
ليس بالضرورة، فنحن نعلم أن بعض المسلمين لا يقتصر في صومه على شهر رمضان! الآن، إذا قسنا هذا المثال على الاعتراض السابق، فسنجد أنه إذا كانت جملة "متى ما وُجِد الدين، وُجِدت الأخلاق" صحيحة، فليس بالضرورة أن تكون جملة "متى ما غاب الدين، غابت الأخلاق" أيضا صحيحة!
ثم يختم الإمام خطبته راجيا من كل مَن له اعتراض أو تساؤل أن يلتقي به بعد أداء صلاة الجمعة!
و الآن، هل من الممكن وجود "خطبة جمعة عصرية"؟ أم أني أدمنت السباحة في الخيال؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق