لنقرأ معا الجملتين التاليتين:
1- أنا حر في الوقوف في هذا المكان.
2- أنا أملك الحق في الوقوف في هذا المكان.
على الرغم من التشابه في المعنى بين هاتين الجملتين، فإن هناك فرقاً مهماً بينهما، فالجملة الأولى تشير إلى عدم وجود «معوق» خارجي يمنعني من الوقوف في مكان معين، بينما تشير الجملة الثانية إلى وجود «رخصة» من طرف آخر لوقوفي في ذلك المكان. هذا يعني أنني لو كنت الكائن الوحيد الموجود على ظهر جزيرة نائية، فإن الجملة الأولى تصبح مشروعة منطقيا، وأما الجملة الثانية فلا تتمتع بهذه الصفة! الأهم من ذلك كله، هو أن مفهوم «الحرية» مرتبط أساساً بالفرد من حيث هو فرد، بينما يرتبط مفهوم «الحقوق» بالفرد من حيث هو عضو في جماعة، لكن ما مصدر هذه الحقوق؟
لنعد مرة أخرى إلى المثال السابق حول الجزيرة النائية، ولنفرض أني أعيش فيها وحيداً ومتمتعاً بحرّية لا حدود لها! تمر الأيام وإذا بمجموعة من الأشخاص تأتي لتتقاسم معي العيش على ظهر الجزيرة، فأضطر عندها إلى التنازل عن «العيش» وحيداً وقبول «التعايش» مع الآخر! بما أني إنسان مؤمن بمبدأ المساواة، فقد قررت أن يتمتع الضيوف الجدد بالحرية المطلقة التي كنت أتمتع بها قبل مجيئهم! تمر الأيام من جديد، وإذا بي أكتشف أن قراري كان خاطئاً، فمفهوم التعايش بين مجموعة من الأفراد لا ينسجم مع وجود حرية مطلقة لكل فرد على حدة! مثلا، ليس من المنطقي أن أستخدم حريتي المطلقة في قتل جاري ثم أحاول في الوقت نفسه الاحتفاظ بفكرة التعايش معه! ما الحل لهذه المشكلة؟ كيف أضمن التعايش مع الآخرين من دون التنازل عن مبدأ المساواة؟ إذا كانت فكرة المساواة في الحرية المطلقة غير منسجمة مع فكرة التعايش مع الآخرين، فلماذا لا أجرب المساواة في «الحقوق»؟ هنا تحديداً يكمن المصدر الذي نتج عنه مفهوم «الحقوق»، فحقوق الفرد هي مقدار الحرية الفردية التي لا تتعارض مع فكرة التعايش مع الآخرين.
ربما دفعتني نزعتي الفردية إلى الحنين لحرية مطلقة ليس لها حدود، ولكن النزعة الاجتماعية تحتم عليّ التنازل عن جزء من هذه الحرية! يبقى هناك سؤال مهم: إذا كانت ضريبة التعايش هي التنازل عن حرية مطلقة والقبول بحرّية نسبية، فما مقدار الحرية الفردية التي يجب التنازل عنها؟
الإجابة عن هذا السؤال تعتمد على درجة التسامح بين أفراد المجتمع الواحد، فكلما زاد مقدار التسامح بين الأفراد، قل مقدار الحقوق الفردية التي يجب التنازل عنها، بإمكاننا إعادة صياغة هذه العلاقة على النحو التالي: كلما قلت شروط التعايش بين الأفراد، قل مقدار التنازل عن حقوقهم الفردية! هذه العلاقة تبين الفرق الأساسي بين الليبرالية الدستورية والثيوقراطية، ففي الحالة الأولى تكون الدولة في خدمة الفرد، وفي الحالة الثانية يكون الفرد في خدمة الدولة!
الهدف الأساسي وراء فكرة «القانون» هو إيجاد علاقة متكافئة بين الفرد والمجتمع، والاختلاف الأساسي بين القوانين من دولة إلى أخرى يرجع إلى طبيعة التعامل مع هذه العلاقة، مثلاً، في الأنظمة الديموقراطية التي تستند إلى ليبرالية دستورية، لا تسن الدولة أي قانون إلا بعد ضمان عدم تعارض هذا القانون مع الحريات الأولية للفرد، بينما تسن القوانين في الأنظمة الشمولية لتقليص الحريات الفردية التي تتعارض مع الرؤية العامة للدولة!
لو نظرنا إلى التاريخ القديم للمجتمعات البشرية، لوجدنا أن الطقوس الدينية والأعراف والعادات والتقاليد، وكلها أشكال بدائية للقوانين الحديثة، تهدف إلى المحافظة على تماسك الجماعة وتآزر أفرادها، ولكن هذه المحافظة تأتي عادة على شكل انتهاك صارخ لحقوق الفرد الأولية، وهو انتهاك يتجلى في أبشع صوره من خلال بعض الطقوس التي تتضمن قتل الأفراد وتقديمهم قرباناً للآلهة، وبعض الأديان السماوية الحديثة نسبياً تحتوي على عقوبات يرجع مصدرها إلى تلك الطقوس!
أخيراً، عندما تسن الدولة قانوناً جديداً، فإن من الحكمة أن يطرح الفرد على نفسه السؤال التالي: كم مقدار الحرية التي يطالبني هذا القانون بالتنازل عنها، وهل يصب هذا التنازل في مصلحة التعايش مع الآخرين؟ كما أعتقد أن من الضروري أن يختبر الفرد قائمة العادات والتقاليد ليحدد الفرق بين تلك الأعراف التي تهدف إلى ضمان التعايش بين أفراد المجتمع الواحد وتلك التي لا تهدف إلا إلى ضمان الشعور بالانتماء إلى جماعة، حتى لو كانت ضريبة هذا الانتماء هي التضحية بالحرية الشخصية!
1- أنا حر في الوقوف في هذا المكان.
2- أنا أملك الحق في الوقوف في هذا المكان.
على الرغم من التشابه في المعنى بين هاتين الجملتين، فإن هناك فرقاً مهماً بينهما، فالجملة الأولى تشير إلى عدم وجود «معوق» خارجي يمنعني من الوقوف في مكان معين، بينما تشير الجملة الثانية إلى وجود «رخصة» من طرف آخر لوقوفي في ذلك المكان. هذا يعني أنني لو كنت الكائن الوحيد الموجود على ظهر جزيرة نائية، فإن الجملة الأولى تصبح مشروعة منطقيا، وأما الجملة الثانية فلا تتمتع بهذه الصفة! الأهم من ذلك كله، هو أن مفهوم «الحرية» مرتبط أساساً بالفرد من حيث هو فرد، بينما يرتبط مفهوم «الحقوق» بالفرد من حيث هو عضو في جماعة، لكن ما مصدر هذه الحقوق؟
لنعد مرة أخرى إلى المثال السابق حول الجزيرة النائية، ولنفرض أني أعيش فيها وحيداً ومتمتعاً بحرّية لا حدود لها! تمر الأيام وإذا بمجموعة من الأشخاص تأتي لتتقاسم معي العيش على ظهر الجزيرة، فأضطر عندها إلى التنازل عن «العيش» وحيداً وقبول «التعايش» مع الآخر! بما أني إنسان مؤمن بمبدأ المساواة، فقد قررت أن يتمتع الضيوف الجدد بالحرية المطلقة التي كنت أتمتع بها قبل مجيئهم! تمر الأيام من جديد، وإذا بي أكتشف أن قراري كان خاطئاً، فمفهوم التعايش بين مجموعة من الأفراد لا ينسجم مع وجود حرية مطلقة لكل فرد على حدة! مثلا، ليس من المنطقي أن أستخدم حريتي المطلقة في قتل جاري ثم أحاول في الوقت نفسه الاحتفاظ بفكرة التعايش معه! ما الحل لهذه المشكلة؟ كيف أضمن التعايش مع الآخرين من دون التنازل عن مبدأ المساواة؟ إذا كانت فكرة المساواة في الحرية المطلقة غير منسجمة مع فكرة التعايش مع الآخرين، فلماذا لا أجرب المساواة في «الحقوق»؟ هنا تحديداً يكمن المصدر الذي نتج عنه مفهوم «الحقوق»، فحقوق الفرد هي مقدار الحرية الفردية التي لا تتعارض مع فكرة التعايش مع الآخرين.
ربما دفعتني نزعتي الفردية إلى الحنين لحرية مطلقة ليس لها حدود، ولكن النزعة الاجتماعية تحتم عليّ التنازل عن جزء من هذه الحرية! يبقى هناك سؤال مهم: إذا كانت ضريبة التعايش هي التنازل عن حرية مطلقة والقبول بحرّية نسبية، فما مقدار الحرية الفردية التي يجب التنازل عنها؟
الإجابة عن هذا السؤال تعتمد على درجة التسامح بين أفراد المجتمع الواحد، فكلما زاد مقدار التسامح بين الأفراد، قل مقدار الحقوق الفردية التي يجب التنازل عنها، بإمكاننا إعادة صياغة هذه العلاقة على النحو التالي: كلما قلت شروط التعايش بين الأفراد، قل مقدار التنازل عن حقوقهم الفردية! هذه العلاقة تبين الفرق الأساسي بين الليبرالية الدستورية والثيوقراطية، ففي الحالة الأولى تكون الدولة في خدمة الفرد، وفي الحالة الثانية يكون الفرد في خدمة الدولة!
الهدف الأساسي وراء فكرة «القانون» هو إيجاد علاقة متكافئة بين الفرد والمجتمع، والاختلاف الأساسي بين القوانين من دولة إلى أخرى يرجع إلى طبيعة التعامل مع هذه العلاقة، مثلاً، في الأنظمة الديموقراطية التي تستند إلى ليبرالية دستورية، لا تسن الدولة أي قانون إلا بعد ضمان عدم تعارض هذا القانون مع الحريات الأولية للفرد، بينما تسن القوانين في الأنظمة الشمولية لتقليص الحريات الفردية التي تتعارض مع الرؤية العامة للدولة!
لو نظرنا إلى التاريخ القديم للمجتمعات البشرية، لوجدنا أن الطقوس الدينية والأعراف والعادات والتقاليد، وكلها أشكال بدائية للقوانين الحديثة، تهدف إلى المحافظة على تماسك الجماعة وتآزر أفرادها، ولكن هذه المحافظة تأتي عادة على شكل انتهاك صارخ لحقوق الفرد الأولية، وهو انتهاك يتجلى في أبشع صوره من خلال بعض الطقوس التي تتضمن قتل الأفراد وتقديمهم قرباناً للآلهة، وبعض الأديان السماوية الحديثة نسبياً تحتوي على عقوبات يرجع مصدرها إلى تلك الطقوس!
أخيراً، عندما تسن الدولة قانوناً جديداً، فإن من الحكمة أن يطرح الفرد على نفسه السؤال التالي: كم مقدار الحرية التي يطالبني هذا القانون بالتنازل عنها، وهل يصب هذا التنازل في مصلحة التعايش مع الآخرين؟ كما أعتقد أن من الضروري أن يختبر الفرد قائمة العادات والتقاليد ليحدد الفرق بين تلك الأعراف التي تهدف إلى ضمان التعايش بين أفراد المجتمع الواحد وتلك التي لا تهدف إلا إلى ضمان الشعور بالانتماء إلى جماعة، حتى لو كانت ضريبة هذا الانتماء هي التضحية بالحرية الشخصية!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق