من يتابع تعليقات القراء على المقالات الصحفية التي تنشر على شبكة الإنترنت، سيلاحظ أن القارئ العربي بشكل عام يفتقد إلى مهارات القراءة، وهذه مشكلة تعبر عن أحد مظاهر أزمة القراءة التي نعيشها في العالم العربي، ذلك أن هذه الأزمة لا تقتصر فقط على انعدام القراءة، بل هي مرتبطة أيضا بسوء القراءة. هذا يعني أن أزمة القراءة في العالم العربي تتجسد من خلال مظهرين على الأقل: الأول، هو أن عدد الذين لا يقرؤون يفوق بكثير عدد الذين يقرؤون، والثاني، هو أن عدد الذين يحسنون القراءة أقل بكثير من عدد أولئك الذين لا يجيدونها. هذا المظهر الأخير هو موضوعنا في هذا المقال، وسأقتصر على توضيح الجوانب السلبية التي تصاحب عادة قراءة المقال الصحفي.
هناك خطأ شائع يتمثل في محاولة تفسير محتوى المقال على أساس هوية الكاتب، فبدلا من محاولة التعرف على رأي الكاتب واختبار مدى نجاحه في الدفاع عن رأيه، يسارع معظم القراء إلى الاعتماد على المعادلة السطحية التالية: قل لي من هو الكاتب، وسأفسر لك ماذا يريد هذا الكاتب أن يقول! من الممكن إثبات تهافت هذا الاعتقاد الخاطئ من خلال اختبار ما ينتج عنه، فلو كان تفسير محتوى المقال معتمدا على هوية الكاتب، فإن المحصلة هي أن المقال الذي يكتبه كاتب مجهول الهوية يصبح غير قابل للتفسير!
هناك أيضا خطأ مضاد لاتجاه الخطأ السابق، فهو يشير إلى محاولة تحديد هوية الكاتب على أساس محتوى المقال، ولعل الخلل هنا ناتج عن عدم القدرة على التفريق بين أمرين مختلفين تماما: الأول، هو دفاع الكاتب عن رأي معين. والثاني، هو تبني الكاتب لهذا الرأي في سلوكه وحياته بشكل عام. لنفرض أنني كتبت مقالا أدافع من خلاله بصورة منطقية عن أهمية حقوق الإنسان، ولنفرض أنك قرأت المقال ثم شاهدتني في اليوم التالي أهين كرامة إنسان في الشارع، فهل يعني ذلك خطأ الحجج المنطقية التي تدعم رأيي حول أهمية حقوق الإنسان؟ إطلاقا، وإذا كان ثمة خطأ فهو في محاولتك الاستدلال على هوية الكاتب من خلال محتوى المقال. هل يعني ذلك، على الأقل، أني كاتب منافق؟ ليس بالضرورة، ذلك أن هناك فرقا كبيرا بين محاولة إثبات صحة رأي من جهة، ودعوة الآخرين إلى تبني هذا الرأي من جهة أخرى.
مهارات القراءة كثيرة، ولعل أهمها هي القدرة على صرف النظر عن هوية الكاتب والتركيز بدلا من ذلك على ما هو مكتوب. عندما نشرع في قراءة مقال صحفي، مثلا، فإن الحد الأدنى من التفكير النقدي يتطلب أن نطرح الأسئلة التالية: هل هناك رأي معين يتبناه الكاتب؟ ما هي طبيعة هذا الرأي؟ ما مدى نجاح الكاتب في الدفاع عن رأيه؟ هل استشهد الكاتب بمجموعة من الأمثلة لتوضيح أفكاره؟ ما مدى توافق هذه الأمثلة مع أفكار الكاتب؟ هل استند الكاتب إلى حجج منطقية لإثبات صحة آرائه؟ إلى أي مدى ساهمت هذه الحجج المنطقية في دعم آراء الكاتب؟
أخيرا، بقيت لدي ملاحظة أخيرة، وهي كالتالي: إذا كان القارئ يشاطرني الرأي حول أهمية صرف النظر عن هوية الكاتب والتركيز بدلا من ذلك على ما هو مكتوب، فأرجو أيضا أن يتفق القارئ معي في أن هذا الرأي ينطبق أيضا على قراءة أي كتاب، مهما بلغت قداسته، إذ ليس من المنطقي أن نستدل على صحة ما هو مكتوب من خلال الاستشهاد بهوية الكاتب!
الخميس، 30 يوليو 2009
قراءة المقال الصحفي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق