سأتناول من خلال هذا المقال بعض الملاحظات الشخصية حول العملية الانتخابية والنتائج التي أفضت إليها، وهي ملاحظات تتعلق فقط ببعض الخطوط العريضة حول هذا الموضوع.
أولا، هناك سؤال مهم يتعلق بكيفية ضمان استمرار المجلس المقبل وإكمال عمره الدستوري لأربع سنوات قادمة، وبالرغم من عدم تسليط الضوء على هذا السؤال بشكل مباشر خلال الحملات الانتخابية، فإن بإمكاننا أن نستشف إجابة ضمنية عنه من خلال بعض الشعارات الانتخابية الداعية إلى استبعاد ما يسمون بـ'نواب التأزيم'، ومع الاعتراف بغموض هذا المصطلح، فإن من الواضح أن هناك مَن يعتقد أن حماية العمر الافتراضي لمجلس الأمة تعتمد في المقام الأول على إرادة الناخب في تحديد هوية الطاقم النيابي الجديد للمجلس. لكن في تقديري أن القضية تتطلب حلولاً أكثر راديكالية، مثل إعادة صياغة بعض مواد الدستور بطريقة تحفظ للمجلس هيبته وتضمن استمراره. بمعنى آخر أكثر تحديداً، أعتقد أن الوقت قد حان للتفكير الجدي في إعادة رسم خريطة السلطة السياسية وموازين الحكم بطريقة تضمن المزيد من الديمقراطية، وأما الاكتفاء بإلقاء اللوم على 'نواب التأزيم' فإن من شأنه إنتاج مجلس خانع يحرص على عدم الاقتراب من 'الخطوط الحمراء' أكثر من حرصه على الدفاع عن مصالح الشعب. إن مساومة نائب الأمة على الاختيار بين البقاء في كرسي المجلس لأطول فترة ممكنة وبين المغامرة بمصيره السياسي عن طريق التصدي للفساد، أقول إن هذه المساومة هي أقصر الطرق إلى تحوّل مجلس الأمة إلى مجلس شورى صوري!
ثانيا، قد تشير هزيمة الحركة الدستورية الإسلامية 'حدس' في الانتخابات إلى نتيجة إيجابية بالنسبة لخصوم الحركة، ولكن إذا صرفنا النظر عن الخصومة السياسية الضيقة ونظرنا إلى الأمر في سياق أوسع، فإن هذه الهزيمة ستضاف إلى قائمة المؤشرات السلبية لتدهور الحياة السياسية في الكويت، خصوصاً في ما يتعلق بمصير العمل الحزبي وتطويره، فبالأمس فشل 'حزب الأمة' في احتواء بعض مرشحيه وثنيهم عن الدخول في تصفيات فرعية، واليوم أصبح اعتماد مرشحي 'حدس' على الانتماء إلى الحركة في خوض الانتخابات لا يكفي لتحقيق النجاح، بل قد يضاعف من فرص الاخفاق، خصوصاً عندما يتصادم الانتماء الحزبي مع الانتماء القبلي!
ثالثا، هناك أيضا مؤشرات أخرى تدل على تدهور العمل الحزبي المنظم في الحياة السياسية، فالنزعة الفردية في الترشيح، مثلاً، أخذت أبعاداً خطيرة في الانتخابات الحالية، ومن الأمور الدالة على ذلك اختفاء مظلتي 'التحالف الوطني الديمقراطي' و 'المنبر الديمقراطي الكويتي' بشكل رسمي من هذه الانتخابات، وشاهدنا كيف تسابق المرشحون المحسوبون على هذا التيار أو ذاك إلى خوض الانتخابات بطريقة فردية! صحيح أن 'التحالف' أعرب عن دعمه لكل 'المرشحين الوطنيين'، ولكن هذا لا يلغي حقيقة أن 'التحالف' تخلّى عن أبسط أبجديات الممارسة الحزبية ولم يبادر إلى نظام القائمة كما حدث في الانتخابات الماضية، ثم إن تعبير 'المرشحين الوطنيين' غير دقيق وفي حاجة إلى توضيح، إذ من هو 'المرشح الوطني'؟ هل يكفي الوقوف مع مواد الدستور لنيل لقب 'المرشح الوطني'؟ ماذا عن الوقوف مع مصالح البنوك والشركات الكبرى على حساب المال العام؟ أما المثال الآخر على تدهور العمل الحزبي فمرتبط بالبرنامج الانتخابي الذي أصدره 'المنبر' أثناء فترة الانتخابات، ثم التنصل من هذا البرنامج بحجة أنه لا يمثل سوى 'مشروع برنامج سياسي' وأنه 'غير ملزم لمرشحي المنبر'! لا تعنيني الخلافات بين أعضاء المنبر، فعمر هذه الخلافات يرجع إلى اليوم الأول الذي تم فيه تأسيس المنبر، ولكن ينبغي الإشارة إلى أن تعبير 'مرشحي المنبر' تعبير غير دقيق، فتدهور العمل الحزبي لدى المنبر حال دون الإعلان عن ترشيح رسمي لمن خاضوا الانتخابات البرلمانية من بين أعضاء المنبر!
أخيراً، وصول المرأة إلى البرلمان خطوة مهمة على طريق كسر القيود الاجتماعية ضد المرأة، كما أنه بمنزلة دعوة صادقة إلى التيارات الإسلامية والقبلية لإعادة النظر في تحيّزها ضد المرأة والتكيف مع مناخ سياسي جديد! أما أنصار المرأة فعليهم أن يحذروا من الوقوع في فخ التمييز ضد المرأة ولو بحسن نية، فدعوة المرشحات الأربع اللواتي فزن في الانتخابات إلى تقديم نموذج مشرّف للعمل النيابي تنطوي على تمييز جنسي غير مبرر، ذلك أن الأداء النيابي غير مرتبط بنوع الجنس، أو هكذا يجب أن يكون! ليس من العدل أن يكون هناك ضغط نفسي على النائبات الأربع من خلال دعوتهن إلى 'تمثيل المرأة' في البرلمان على أكمل وجه، لأنهن ببساطة لا يمثلن المرأة فقط، بل الرجل والمرأة معاً! ليس من العدل أيضا أن يتم الربط بين أي إخفاق في أداء المرأة النيابي والجدوى من دخول المرأة إلى البرلمان، إذ ليس من المستبعد أن نسمع في المستقبل القريب أصواتا تردد: 'ألم نقل لكم إن المرأة لا تصلح للعمل البرلماني؟!'، لذا يجب الحذر من هذه الأصوات الكارهة للمرأة لمجرد أنها امراة! نعم، وصول المرأة إلى البرلمان خطوة مهمة على الطريق الصحيح، ولكن الطريق طويل جداً، فمازلنا نحلم بذلك اليوم الذي يقف فيه الناخب أمام ورقة الاقتراع ليختار من يمثله تحت قبة البرلمان من دون أن يكون نوع الجنس ضمن عوامل الاختيار!
الجمعة، 31 يوليو 2009
ملاحظات شخصية حول العملية الانتخابية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليق واحد:
مقال جميل جداً و هادف .. يعطيك العافية 💐
إرسال تعليق