تضمّن مقالنا السابق إدانة صريحة للطريقة التي تنتهجها البنوك في تحريك عجلة الاقتصاد، وينبغي التأكيد هنا على أن هذه الإدانة مرتبطة فقط بحقيقة أن القروض التي تمنحها البنوك تؤدي إلى زيادة كمية النقود المتاحة في الاقتصاد الوطني، وبالتالي إلى التضخم وفقدان العملة المحلية لقوتها الشرائية، لكن من المهم التذكير أيضا بأننا لا نقف ضد حق البنوك في تقديم القروض على الإطلاق، بل ضد الطريقة التي تنتهجها البنوك في تقديم هذه القروض، ولتوضيح هذه النقطة، سنضرب المثال الافتراضي التالي: تخيّل أني ادخرت مبلغا وقدره 10 آلاف دينار كويتي، ثم أردت استثمار هذا المبلغ عن طريق إقامة بنك لمنح القروض وجني فوائدها، ولنفترض أنك أنت، عزيزي القارئ، هو أول زبون لديّ، حيث جئتني بغرض اقتراض مبلغ وقدره 9 آلاف دينار مع فائدة بنسبة 10 في المئة، في هذه الحالة يكون حجم أصول البنك 10900 دينارا، منها 1000 دينار من حجم المال المتبقي بعد تقديم القرض، و9900 دينار من حجم المال الذي أنت مدين لي به، ولكن السؤال الجوهري هنا هو هل ساهم البنك في زيادة كمية المال في المجتمع ككل؟ إطلاقا، ذلك أن حجم الموجودات يساوي حجم المطلوبات، فأنا ادخرت مبلغا من المال بغرض الاستثمار عن طريق منح قروض، وأنت اقترضت إما بهدف الاستثمار، وإما بهدف الاستهلاك، لكن في كلتا الحالتين كنت ملزماً بادخار قيمة القرض المستحق عندما يحين وقت السداد.
هل يعني ذلك أنه من المستحيل أن يقوم أصحاب البنوك بمنح قروض إلا بعد أن يوفروا من جيوبهم الخاصة؟ ليس بالضرروة، فبإمكاني أيضا أن أستدين مبلغا من المال لإنشاء بنك بهدف منح القروض، بحيث يكون مصدر ربح البنك مرتبطا بفارق سعر الفائدة بين الأموال التي اقترضتها والأموال التي أقرضها! لكن حتى في هذه الحالة ليس هناك تضخم، فالفائدة التي دفعتها جاءت من عوائد القروض التي منحتها، والفائدة التي جنيتها جاءت من جيب أحد المستثمرين أو أحد المستهلكين، لكن في كلتا الحالتين ليس هناك زيادة في كمية النقود في المجتمع ككل! لكن ماذا يحدث تحديداً عندما تقوم البنوك بالخلط بين الإيداع والإقراض؟ دعنا نرى كيف تساهم بنوكنا المحلية في زيادة التضخم بفضل توجيهات البنك المركزي!
كل بنك مركزي لديه أدوات يستطيع من خلالها التحكم بكمية النقود المتاحة في الاقتصاد الوطني، من هذه الأدوات هناك ما يعرف باسم Reserve Requirements أو متطلبات الاحتياطي، وهي عبارة عن نسبة أموال الإيداع التي يحددها البنك المركزي والتي تلزم البنوك بالتقيد بها، ولمعرفة كيف يساهم البنك المركزي مع بقية البنوك في زيادة التضخم والإضرار بمعيشة المواطن البسيط، دعنا ننظر إلى المثال التالي:
لنفترض أن كمية النقود المتاحة في الاقتصاد الوطني تبلغ 1000 دينار، ولنفترض أنه تم إيداع هذا المبلغ في أحد بنوك الكويت، مثلاً، ففي هذه الحالة سيقوم البنك بالتقيد بتعليمات البنك المركزي ليحتفظ بنسبة 10 في المئة فقط من هذا المبلغ، أي 100 دينار، ثم يقدم الـ 900 دينار المتبقية على شكل قروض. هذا يعني أن أصول البنك ارتفعت من 1000 دينار إلى 1900 دينار، أي أن البنك ساهم في زيادة كمية النقود المتاحة بنسبة 90 في المئة (سنهمل حجم الفوائد التي سيجنيها البنك من القرض وذلك لتبسيط المثال). دعنا نفترض أنني أنا المستفيد من هذا القرض، ثم قمت باستخدام المبلغ في شراء قطع من الأثاث، لكن تاجر الأثاث عميل لدى بنك آخر، لذا فإنه سيودع مبلغ الـ 900 دينار في هذا البنك، وهذا البنك بدوره سينفذ من جديد تعليمات البنك المركزي ليحتفظ بمبلغ 90 ديناراً ويقرض الـ810 دنانير المتبقية، وقد ينتقل هذا القرض من جديد إلى بنك ثالث لتستمر العملية التضخمية من خلال تناقص قيمة القروض الممنوحة وتزايد كمية النقود المتاحة، ولتوضيح هذه العملية رياضيا، سنجد أن كمية النقود المتاحة في الاقتصاد الوطني تزايدت من بنك إلى آخر على النحو التالي:
مبلغ الإيداع الأصلي: 1000 دينار
القرض الممنوح من البنك الأول: 900 دينار (1000 X 0.9)
القرض الممنوح من البنك الثاني: 810 دنانير (900 X 0.9)
القرض الممنوح من البنك الثالث: 729 ديناراً (810 X 0.9)
ثم تستمر هذه العملية التضخمية إلى آخر بنك، حيث تصل كمية النقود المتاحة في الاقتصاد الوطني إلى 10000 دينار، أي أن هذه الكمية تزايدت عن الأصل بمقدار عشرة أضعاف، ولكن في المقابل تضاءلت القوة الشرائية للدينار إلى العُشر! لو تأملنا الصفحات الاقتصادية في أغلب صحفنا المحلية، فسنجد أن 'البروباغندا' توحي بأن البنوك متضررة من تدخل البنك المركزي في شؤونها، ولكن الحقيقة تفيد بأنه لولا وجود البنك المركزي لما استطاعت هذه البنوك المحافظة على هذا التناغم التضخمي في ما بينها بهذه الصورة! المؤسف هو أن وتيرة هذا التناغم التضخمي ستزداد بشكل مخيف في السنوات القادمة، فبعد أن تم إقرار قانون ما يسمى بالاستقرار المالي، فإن وتيرة التضخم ستتصاعد من جديد لتستفيد منها الحكومة والبنوك وكبار المستثمرين، أما أنا وأنت ممن يعتمدون على راتبهم الشهري الثابت، فسنردد قول إحدى العجائز الكويتيات التي تساءلت مرة بكل براءة: 'يا وليدي ليش قطع الله البركة بفلوسنا'؟ من الصعب أن نشرح لهذه العجوز الطيبة آلية التضخم، لكن ماذا عن المتعلمين من أبناء وبنات هذا الوطن، وما هو عذرهم عندما يعرفون ما يجري من دون أن يحرّكوا ساكنا؟!
هل يعني ذلك أنه من المستحيل أن يقوم أصحاب البنوك بمنح قروض إلا بعد أن يوفروا من جيوبهم الخاصة؟ ليس بالضرروة، فبإمكاني أيضا أن أستدين مبلغا من المال لإنشاء بنك بهدف منح القروض، بحيث يكون مصدر ربح البنك مرتبطا بفارق سعر الفائدة بين الأموال التي اقترضتها والأموال التي أقرضها! لكن حتى في هذه الحالة ليس هناك تضخم، فالفائدة التي دفعتها جاءت من عوائد القروض التي منحتها، والفائدة التي جنيتها جاءت من جيب أحد المستثمرين أو أحد المستهلكين، لكن في كلتا الحالتين ليس هناك زيادة في كمية النقود في المجتمع ككل! لكن ماذا يحدث تحديداً عندما تقوم البنوك بالخلط بين الإيداع والإقراض؟ دعنا نرى كيف تساهم بنوكنا المحلية في زيادة التضخم بفضل توجيهات البنك المركزي!
كل بنك مركزي لديه أدوات يستطيع من خلالها التحكم بكمية النقود المتاحة في الاقتصاد الوطني، من هذه الأدوات هناك ما يعرف باسم Reserve Requirements أو متطلبات الاحتياطي، وهي عبارة عن نسبة أموال الإيداع التي يحددها البنك المركزي والتي تلزم البنوك بالتقيد بها، ولمعرفة كيف يساهم البنك المركزي مع بقية البنوك في زيادة التضخم والإضرار بمعيشة المواطن البسيط، دعنا ننظر إلى المثال التالي:
لنفترض أن كمية النقود المتاحة في الاقتصاد الوطني تبلغ 1000 دينار، ولنفترض أنه تم إيداع هذا المبلغ في أحد بنوك الكويت، مثلاً، ففي هذه الحالة سيقوم البنك بالتقيد بتعليمات البنك المركزي ليحتفظ بنسبة 10 في المئة فقط من هذا المبلغ، أي 100 دينار، ثم يقدم الـ 900 دينار المتبقية على شكل قروض. هذا يعني أن أصول البنك ارتفعت من 1000 دينار إلى 1900 دينار، أي أن البنك ساهم في زيادة كمية النقود المتاحة بنسبة 90 في المئة (سنهمل حجم الفوائد التي سيجنيها البنك من القرض وذلك لتبسيط المثال). دعنا نفترض أنني أنا المستفيد من هذا القرض، ثم قمت باستخدام المبلغ في شراء قطع من الأثاث، لكن تاجر الأثاث عميل لدى بنك آخر، لذا فإنه سيودع مبلغ الـ 900 دينار في هذا البنك، وهذا البنك بدوره سينفذ من جديد تعليمات البنك المركزي ليحتفظ بمبلغ 90 ديناراً ويقرض الـ810 دنانير المتبقية، وقد ينتقل هذا القرض من جديد إلى بنك ثالث لتستمر العملية التضخمية من خلال تناقص قيمة القروض الممنوحة وتزايد كمية النقود المتاحة، ولتوضيح هذه العملية رياضيا، سنجد أن كمية النقود المتاحة في الاقتصاد الوطني تزايدت من بنك إلى آخر على النحو التالي:
مبلغ الإيداع الأصلي: 1000 دينار
القرض الممنوح من البنك الأول: 900 دينار (1000 X 0.9)
القرض الممنوح من البنك الثاني: 810 دنانير (900 X 0.9)
القرض الممنوح من البنك الثالث: 729 ديناراً (810 X 0.9)
ثم تستمر هذه العملية التضخمية إلى آخر بنك، حيث تصل كمية النقود المتاحة في الاقتصاد الوطني إلى 10000 دينار، أي أن هذه الكمية تزايدت عن الأصل بمقدار عشرة أضعاف، ولكن في المقابل تضاءلت القوة الشرائية للدينار إلى العُشر! لو تأملنا الصفحات الاقتصادية في أغلب صحفنا المحلية، فسنجد أن 'البروباغندا' توحي بأن البنوك متضررة من تدخل البنك المركزي في شؤونها، ولكن الحقيقة تفيد بأنه لولا وجود البنك المركزي لما استطاعت هذه البنوك المحافظة على هذا التناغم التضخمي في ما بينها بهذه الصورة! المؤسف هو أن وتيرة هذا التناغم التضخمي ستزداد بشكل مخيف في السنوات القادمة، فبعد أن تم إقرار قانون ما يسمى بالاستقرار المالي، فإن وتيرة التضخم ستتصاعد من جديد لتستفيد منها الحكومة والبنوك وكبار المستثمرين، أما أنا وأنت ممن يعتمدون على راتبهم الشهري الثابت، فسنردد قول إحدى العجائز الكويتيات التي تساءلت مرة بكل براءة: 'يا وليدي ليش قطع الله البركة بفلوسنا'؟ من الصعب أن نشرح لهذه العجوز الطيبة آلية التضخم، لكن ماذا عن المتعلمين من أبناء وبنات هذا الوطن، وما هو عذرهم عندما يعرفون ما يجري من دون أن يحرّكوا ساكنا؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق