من العسير أن ندافع عن «حرية التعبير» في زمننا الحاضر، فهذا المفهوم لا يقع ضمن أولويات المجتمع الذي ننتمي إليه، لكن هذه الحقيقة لا تعفينا من محاولة توضيح أهمية هذا المفهوم بالنسبة للفرد والجماعة على حد سواء، ومن يدري؟ لعل التخاذل في الدفاع عن حرية التعبير هو السبب وراء عدم تحول هذا المفهوم إلى أولوية اجتماعية، فلا شيء يمكن أن يصبح أولوية في حياتنا من دون إدراك حقيقي لقيمة هذا الشيء ومدى أهميته. هناك بطبيعة الحال حدود يجب أن تقف عندها حرية التعبير، لكن الأمر المهم لا يكمن في الاعتراف بوجود مثل هذه الحدود، بل في معرفة كم من التسامح نمتلك لتقليص عدد هذه الحدود! هذا المقال هو مجرد محاولة إلى إبراز أهمية حرية التعبير وتوضيح الأسباب التي تدفعنا إلى التمسك بهذا المفهوم.
أولاً، هناك ترابط منطقي بين ضمان حرية التعبير ومحاولة اكتشاف الحقيقة، والتاريخ الإنساني يزخر بالأمثلة الدالة على هذا الترابط، لكن سأكتفي بمثال واحد بسبب قربه منّا من حيث الزمان والمكان، وهو مثال يتعلق بحادثة «التأبين» الأخيرة. مضى على اختطاف «الجابرية» على أيدي حفنة من المجرمين قرابة عشرين سنة، لكن المحاولات الجادة لمعرفة حقيقة هذه الجريمة وهوية من يقف وراءها لم تبدأ إلا بعد أن عبّر النائب الفاضل عدنان عبدالصمد عن رأيه في شخصية «عماد مغنية»، ورأينا كيف استنفر الطرفان المتنازعان في جمع الأدلة التي تثبت براءة «مغنية» أو إدانته. إنّ من حق كل مواطن معرفة المسؤول عن تلك الجريمة، وإذا أدركنا أن حادثة «التأبين» ساهمت بطريقة غير مباشرة في دفعنا خطوة إلى الأمام في محاولة اكتشاف الحقيقة، فإن من الحكمة أن ندافع جميعاً عن حق النائب في التعبير عن رأيه! لو كان أخي هو أحد ضحايا «الجابرية»، فإن من حقّي معرفة هوية القاتل، ولو علمت أن هذه المعرفة لن تتأتى إلا بعد أن يعبر عبدالصمد عن رأيه في شخصية «مغنية»، لما ترددت لحظة واحدة في الدفاع عن حقه في التعبير عن رأيه، فلولا هذا الحق لما سنحت لي الفرصة في التوصل إلى الحقيقة، بصرف النظر عن نتائجها!
ثانياً، ضمان حرية التعبير يعتبر الحجر الأساس لأي نظام ديموقراطي، فإذا كانت الديموقراطية هي تعبير عن إرادة الشعب، وإذا كانت إرادة الشعب هي حاصل جمع إرادة كل فرد على حدة، فإن من المنطقي أن تكون حرية التعبير هي الطريقة الوحيدة لمعرفة إرادة الشعب في أي نظام ديموقراطي نزيه. انتهاك حرية التعبير في النظام الديموقراطي يتخذ عادة شكلين مختلفين، مباشر وغير مباشر. الشكل المباشر لانتهاك حرية التعبير نجده، مثلاً، في تزوير السلطة السياسية لصناديق الاقتراع، وهو تزوير يعتدي على الإرادة السياسية للناخب، والاعتداء على الإرادة السياسية هو بمنزلة انتهاك لحرية التعبير. أما الشكل غير المباشر، فنجده في تعمّد السلطة السياسية وبعض وسائل الإعلام في إخفاء بعض المعلومات الضرورية عن المواطن، مما يحول دون قدرة المواطن على التعبير عن رأي يستند إلى معلومات صحيحة. هنا تحديداً يكمن السبب في أن «تضليل الرأي العام» يعد تهمة خطيرة في أي نظام ديموقراطي.
ثالثاً، هناك علاقة وطيدة بين حرية التعبير ونمو شخصية الفرد وتطوير قدراته العقلية، فالتعبير الحر عن الذات هو الذي يسمح بالتمايز بين الأفراد من حيث طبيعة آرائهم وتوجهاتهم ورغباتهم وحتى مخاوفهم، وهو الذي يسمح بوجود فرصة لنقاش موضوعي يفضي إلى تلاقح الأفكار واكتشاف حقائق جديدة. عندما نمنح الآخر فرصة التعبير عن ذاته، فإننا في واقع الأمر نمنح أنفسنا فرصة التعرف على حقيقة هذا الآخر، وعندما نسلب هذا الآخر حقه في التعبير، فإننا في واقع الأمر ندفعه إلى أن يكون نسخة طبق الأصل من صورتنا نحن! لدي رسائل كثيرة من بعض القراء يتهمونني فيها بالنفاق، وأني أظهر عكس ما أبطن! لست أعلم مدى صحة هذا الاتهام، لكني أعلم أن من غير المنطقي اتهام الآخرين بالنفاق من دون منحهم أولاّ حق الاختيار، أو بعبارة أخرى، امنحوا الفرد حق الاختيار، ثم اتهموه بعد ذلك بالنفاق ما شئتم! أعترف بأني أحاول قدر استطاعتي أن أعبر عن ذاتي حين أكتب، لكن في ظل قانون الرقابة السخيفة، وفي ظل سطوة الأغلبية، لا خيار لي سوى أن أعمد إلى التلميح دون التصريح، كما أني أعوّل كثيراً على ذكاء القارئ في قراءة ما بين السطور، وما أكثر ما دفنت من آراء بين السطور!
أولاً، هناك ترابط منطقي بين ضمان حرية التعبير ومحاولة اكتشاف الحقيقة، والتاريخ الإنساني يزخر بالأمثلة الدالة على هذا الترابط، لكن سأكتفي بمثال واحد بسبب قربه منّا من حيث الزمان والمكان، وهو مثال يتعلق بحادثة «التأبين» الأخيرة. مضى على اختطاف «الجابرية» على أيدي حفنة من المجرمين قرابة عشرين سنة، لكن المحاولات الجادة لمعرفة حقيقة هذه الجريمة وهوية من يقف وراءها لم تبدأ إلا بعد أن عبّر النائب الفاضل عدنان عبدالصمد عن رأيه في شخصية «عماد مغنية»، ورأينا كيف استنفر الطرفان المتنازعان في جمع الأدلة التي تثبت براءة «مغنية» أو إدانته. إنّ من حق كل مواطن معرفة المسؤول عن تلك الجريمة، وإذا أدركنا أن حادثة «التأبين» ساهمت بطريقة غير مباشرة في دفعنا خطوة إلى الأمام في محاولة اكتشاف الحقيقة، فإن من الحكمة أن ندافع جميعاً عن حق النائب في التعبير عن رأيه! لو كان أخي هو أحد ضحايا «الجابرية»، فإن من حقّي معرفة هوية القاتل، ولو علمت أن هذه المعرفة لن تتأتى إلا بعد أن يعبر عبدالصمد عن رأيه في شخصية «مغنية»، لما ترددت لحظة واحدة في الدفاع عن حقه في التعبير عن رأيه، فلولا هذا الحق لما سنحت لي الفرصة في التوصل إلى الحقيقة، بصرف النظر عن نتائجها!
ثانياً، ضمان حرية التعبير يعتبر الحجر الأساس لأي نظام ديموقراطي، فإذا كانت الديموقراطية هي تعبير عن إرادة الشعب، وإذا كانت إرادة الشعب هي حاصل جمع إرادة كل فرد على حدة، فإن من المنطقي أن تكون حرية التعبير هي الطريقة الوحيدة لمعرفة إرادة الشعب في أي نظام ديموقراطي نزيه. انتهاك حرية التعبير في النظام الديموقراطي يتخذ عادة شكلين مختلفين، مباشر وغير مباشر. الشكل المباشر لانتهاك حرية التعبير نجده، مثلاً، في تزوير السلطة السياسية لصناديق الاقتراع، وهو تزوير يعتدي على الإرادة السياسية للناخب، والاعتداء على الإرادة السياسية هو بمنزلة انتهاك لحرية التعبير. أما الشكل غير المباشر، فنجده في تعمّد السلطة السياسية وبعض وسائل الإعلام في إخفاء بعض المعلومات الضرورية عن المواطن، مما يحول دون قدرة المواطن على التعبير عن رأي يستند إلى معلومات صحيحة. هنا تحديداً يكمن السبب في أن «تضليل الرأي العام» يعد تهمة خطيرة في أي نظام ديموقراطي.
ثالثاً، هناك علاقة وطيدة بين حرية التعبير ونمو شخصية الفرد وتطوير قدراته العقلية، فالتعبير الحر عن الذات هو الذي يسمح بالتمايز بين الأفراد من حيث طبيعة آرائهم وتوجهاتهم ورغباتهم وحتى مخاوفهم، وهو الذي يسمح بوجود فرصة لنقاش موضوعي يفضي إلى تلاقح الأفكار واكتشاف حقائق جديدة. عندما نمنح الآخر فرصة التعبير عن ذاته، فإننا في واقع الأمر نمنح أنفسنا فرصة التعرف على حقيقة هذا الآخر، وعندما نسلب هذا الآخر حقه في التعبير، فإننا في واقع الأمر ندفعه إلى أن يكون نسخة طبق الأصل من صورتنا نحن! لدي رسائل كثيرة من بعض القراء يتهمونني فيها بالنفاق، وأني أظهر عكس ما أبطن! لست أعلم مدى صحة هذا الاتهام، لكني أعلم أن من غير المنطقي اتهام الآخرين بالنفاق من دون منحهم أولاّ حق الاختيار، أو بعبارة أخرى، امنحوا الفرد حق الاختيار، ثم اتهموه بعد ذلك بالنفاق ما شئتم! أعترف بأني أحاول قدر استطاعتي أن أعبر عن ذاتي حين أكتب، لكن في ظل قانون الرقابة السخيفة، وفي ظل سطوة الأغلبية، لا خيار لي سوى أن أعمد إلى التلميح دون التصريح، كما أني أعوّل كثيراً على ذكاء القارئ في قراءة ما بين السطور، وما أكثر ما دفنت من آراء بين السطور!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق