لست من هواة تقديم دروس في الوطنية لثلاثة أسباب: الأول، هو أني مازلت في طور البحث عن معنى هذا المفهوم الشائك والغامض في آن واحد. والثاني، هو أنّ وطني لم يتح لي الفرصة في قراءة تاريخه بصورة موضوعية، وهو تاريخ بدأت في قراءته منذ فترة بسيطة فقط في «دائرة السجل العام» في جنوب غرب لندن! أما السبب الثالث فهو أني أستنكف المتاجرة بمفهوم الوطنية لأغراض شخصية، ولست أجيد التجارة على أي حال، لا تجارة الدين ولا والوطن ولا حتى المال! لهذه الأسباب مجتمعةً، لن تجد في هذا المقال، عزيزي القارئ، ما يشفي غليلك إن كنت من أنصار «تجمع ثوابت الأمة» ومن قرّاء صحيفة «الوطن»، ولن تجد أيضاً ما يرضيك إن كنت من ضمن المتعاطفين مع النائب الفاضل عدنان عبدالصمد. أريد من خلال هذا المقال أن أدلل فقط على أن حادثة «التأبين» كشفت بوضوح عن حقيقة مرّة، وهي أن الطرفين المتنازعين لم يتورّعا عن إخضاع مفهوم الوطن للانتماء الطائفي.
لم يُخفِ النائب الفاضل عدنان عبدالصمد تأييده اللامحدود لـ«حزب الله» في لبنان، لا قبل حادثة التأبين ولا بعدها، وقد عبّر في أكثر من مناسبة عن غضبه من سياسة الكويت الخارجية تجاه الوضع في لبنان، فهو قبل أن يصف تصريحات معالي وزير الداخلية بأنها سخيفة، سبق أن طالب، من خلال برنامج «6/6»، معالي وزير الخارجية بأن يكف عن إطلاق التصريحات حول الوضع في لبنان! لست أعترض على حق النائب الفاضل في إبداء رأيه حول أي قضية، بل لا أملك الاعتراض على حقه في التعاطف مع «عماد مغنية»، لكن اعتراضي هو على محاولاته الدؤوبة في تطويع سياسة الكويت الخارجية بطريقة تضمن عدم تعارضها مع أجندة «حزب الله» في لبنان. هذا هو اعتراضي الوحيد على النائب المحترم، فموقفه مع الأسف يدل بوضوح على إخضاع مفهوم الوطن للانتماء الطائفي، وهو موقف لا يختلف كثيراً عن الموقف المخزي لجماعة الإخوان المسلمين (فرع الكويت) أثناء فترة الاحتلال الغاشم!
إذا لم يُخفِ السيد عدنان عبدالصمد تأييده لـ«حزب الله»، فإن «تجمع ثوابت الأمة» لم يُخفِ أيضاً ترصّده للمواطنين الشيعة حتى في أماكن عبادتهم، والموقف المتحمس لهذا التجمع «اللادستوري» من حادثة «التأبين» لم يكن مفاجئاً، خصوصاً عندما نعود بالذاكرة إلى الوراء لنسترجع تصريحات هذا التجمع «المشبوه»، و إليك عزيزي القارئ مجموعة من هذه التصريحات، وردت جميعها في صحيفة «الوطن» الكويتية:
1 - «ثوابت الأمة» يحذر الحسينيات: سنراقبكم.. ونقاضي المسيء إلى الصحابة (20/01/2007)
2 - «ثوابت الأمة» ينسق لمقاضاة المهري مع ذوي شهداء تفجيرات الثمانينيات (03/02/2007)
3 - «ثوابت الأمة» للداخلية: امنعوا الفالي من السفر (17/03/2007)
4 - «محمد هايف» يكفّر البهرة بأقوال الإثني عشرية (21/10/2007)
عندما نقرأ مثل هذه التصريحات اللامسؤولة، والتي تنم عن ترصّد وتسلّط وعنجهية، وتتقطر كرهاً وطائفية، فهل من المستغرب أن يأتي رئيس هذا التجمع السيد «محمد هايف المطيري» ليصرّح حول حادثة التأبين قائلاً: «كيف تم سحب جنسية سليمان بوغيث لأنه مصنّف إرهابي وينتمي إلى تنظيم «القاعدة»؟ العدالة تقتضي سحب جنسية عدنان عبدالصمد وأحمد لاري اللذين دافعا عن مفجر الكويت ومستهدف أميرنا الراحل» (انظر «الوطن»، 19 فبراير الماضي)! لست أعترض على حق السيد «المطيري» أن يبدي رأيه في أي قضية، بل لا أملك الاعتراض على حقه في التعاطف مع «بو غيث»، لكن اعتراضي هو على محاولاته الدؤوبة في استثمار الشعور الوطني العام بطريقة تضمن نجاح الأجندة الطائفية لـ«تجمع ثوابت الأمة». هذا هو اعتراضي الوحيد على السيد «المطيري»، فموقفه مع الأسف يدل بوضوح على إخضاع مفهوم الوطن للانتماء الطائفي، وهو موقف لا يختلف كثيراً عن موقف النائب عدنان عبدالصمد!
أخيراً، هناك مَن يعترض على حرية التعبير إذا جاءت متعارضة مع مشاعر «الشعب الكويتي»، لكن أيهما أقبح: جرح المشاعر أم وأد حرية التعبير؟ أليس مفهوم الحرية أثمن من مفهوم الوطن؟ قد يعيش الإنسان حراً بلا وطن، لكنه لن يطيق العيش في وطن بلا حرية!
الأربعاء، 29 يوليو 2009
عدنان عبدالصمد وتجمع ثوابت الأمة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق