رأينا في المقال السابق كيف أدى الخلط غير المشروع بين الإيداع والإقراض إلى تمكين صائغي الذهب من خلق المال من لا شيء، ونريد من خلال هذا المقال أن ندلل على أن نشأة البنوك لم تكن سوى امتداد للممارسات غير المشروعة لصائغي الذهب، لكن قبل أن نتناول هذا الموضوع، أريد أن أوضح نقطة مهمة تفاديا لأي التباس: إن الهدف الأساسي وراء هذه السلسلة من المقالات ليس له علاقة بتشويه صورة البنوك أو الانتقاص من أهمية وجودها، إذ لا أحد ينكر الدور الحيوي الذي تقوم به البنوك في تحريك عجلة الاقتصاد بشكل عام، ولكن ما يعنينا في هذا المقام هو تسليط الضوء على السؤال التالي: ما مدى مشروعية الطريقة التي تنتهجها البنوك في تحريك عجلة الاقتصاد؟ هذا سؤال عام، لكن بإمكاننا أن نجعله أكثر تحديداً من خلال طرح مجموعة من الأسئلة المحددة على النحو التالي: 1 - هل يحق للبنك التصرف في ودائع العملاء لمصلحته الخاصة؟ 2 - هل يحق للبنك الاحتفاظ بجزيء بسيط من حجم أموال الإيداع التي تقع تحت مسؤوليته؟ 3 - هل تساهم سياسة التضخم التي تنتهجها البنوك في مكافأة شريحة العملاء التي تعتمد على الاقتراض ومعاقبة شريحة العملاء التي تعتمد على التوفير؟ دعنا نتناول كل سؤال على حدة.
ليس من المستغرب أن يقف السياسيون إلى جانب أرباب المال، ففي عام 1848، ناقش مجلس الشيوخ البريطاني مسألة ودائع العملاء وما إذا كان للبنوك الحق في التصرف بها، ولقد جاء رأي اللورد 'كوتنهام' متماشياً مع مصلحة أصحاب البنوك، حيث أكد أنه بمجرد أن يودع الناس أموالهم لدى أحد البنوك، فإن ملكية هذه الودائع تنتقل مباشرة إلى البنك، 'يتصرف بها كيفما شاء'، لكن اللورد تدارك قائلاً:'هذا لا ينفي مسؤولية البنك في إعادة الودائع إلى أصحابها متى ما جاؤوا لاسترجاعها!'... اللورد 'كوتنهام' تناسى حقيقة أن البنوك لا تستطيع الالتزام بهذه المسؤولية لسبب بسيط، وهو أن البنوك لا تحتفظ سوى بجزيء بسيط من هذه الودائع! هذه الحقيقة تقودنا إلى السؤال الثاني المتعلق بمدى مشروعية احتفاظ البنوك بجزيء بسيط من ودائع العملاء.
إلى جانب السياسيين، هناك أيضاً أساتذة الاقتصاد ممن يدافعون عن مصالح أرباب المال، فنحن نجد، مثلاً، أستاد الاقتصاد الأميركي 'والتر سباهر'، الذي حاول تبرير احتفاظ البنوك بجزيء من الودائع عن طريق الاستناد إلى حجة متهافتة، فهو يرى أن وظيفة البنك شبيهة بوظيفة المهندس المسؤول عن بناء جسر، فالمهندس لا يبني جسراً يستطيع أن يحمل كل سكان المدينة، إنما يضع في اعتباره فقط أقصى عدد من المارة الذين من المحتمل أن يعبروا الجسر في نفس اللحظة! بالمثل، فإن البنك لا يحتفظ بكل أموال العملاء لديه، إنما يضع في اعتباره فقط أقصى عدد من العملاء الذين من المحتمل أن يسحبوا أموالهم من البنك في اللحظة نفسها! البروفيسور'موري روثبارت' تصدى لهذه الحجة الواهية، حيث أكد أن هناك فرقاً كبيراً بين البنك ومهندس الجسر، ذلك أن المارة لا يملكون سنداً قانونياً لعبور الجسر في أي وقت شاؤوا، بينما المودعون لأموالهم في البنوك يملكون سنداً قانونياً لاسترجاع أموالهم متى أرادوا.
عندما يزداد حجم القروض التي تقدمها البنوك لعملائها، تزداد كمية الأموال الجديدة التي يتم تداولها بين الناس، وبعد مرور فترة من الزمن، تبدأ أسعار السلع تدريجيا في الارتفاع نظراً لتضاؤل القوة الشرائية للعملة المحلية، إذ ينبغي ألا ننسى أن المال مجرد سلعة تخضع لقانون العرض والطلب كبقية السلع، فعندما تزداد كمية الأموال المتداولة، تقل القوة الشرائية لهذه الأموال! لكن لاحظ أن هذه السياسة التضخمية تكافئ شريحة من المواطنين على حساب شريحة أخرى، ذلك أن المستفيد الأكبر من التضخم هم أولئك الذين يحصلون على الأموال الجديدة قبل أن تبدأ أسعار السلع في الارتفاع، وهؤلاء هم البنوك والعملاء المقترضون، أما بقية المواطنين ممن يعتمدون على التوفير من دخلهم الشهري الثابت فيشكلون الخاسر الأكبر، لأن الأموال التي في أيديهم لم تعد تحتفظ بقوتها الشرائية قبل بداية التضخم! من هنا نستنتج أن النظام المصرفي الحالي يكافئ المقترضين ويعاقب غيرهم من المواطنين الذين لا تعتمد حياتهم على الاقتراض من البنوك.
ليس من المستغرب أن يقف السياسيون إلى جانب أرباب المال، ففي عام 1848، ناقش مجلس الشيوخ البريطاني مسألة ودائع العملاء وما إذا كان للبنوك الحق في التصرف بها، ولقد جاء رأي اللورد 'كوتنهام' متماشياً مع مصلحة أصحاب البنوك، حيث أكد أنه بمجرد أن يودع الناس أموالهم لدى أحد البنوك، فإن ملكية هذه الودائع تنتقل مباشرة إلى البنك، 'يتصرف بها كيفما شاء'، لكن اللورد تدارك قائلاً:'هذا لا ينفي مسؤولية البنك في إعادة الودائع إلى أصحابها متى ما جاؤوا لاسترجاعها!'... اللورد 'كوتنهام' تناسى حقيقة أن البنوك لا تستطيع الالتزام بهذه المسؤولية لسبب بسيط، وهو أن البنوك لا تحتفظ سوى بجزيء بسيط من هذه الودائع! هذه الحقيقة تقودنا إلى السؤال الثاني المتعلق بمدى مشروعية احتفاظ البنوك بجزيء بسيط من ودائع العملاء.
إلى جانب السياسيين، هناك أيضاً أساتذة الاقتصاد ممن يدافعون عن مصالح أرباب المال، فنحن نجد، مثلاً، أستاد الاقتصاد الأميركي 'والتر سباهر'، الذي حاول تبرير احتفاظ البنوك بجزيء من الودائع عن طريق الاستناد إلى حجة متهافتة، فهو يرى أن وظيفة البنك شبيهة بوظيفة المهندس المسؤول عن بناء جسر، فالمهندس لا يبني جسراً يستطيع أن يحمل كل سكان المدينة، إنما يضع في اعتباره فقط أقصى عدد من المارة الذين من المحتمل أن يعبروا الجسر في نفس اللحظة! بالمثل، فإن البنك لا يحتفظ بكل أموال العملاء لديه، إنما يضع في اعتباره فقط أقصى عدد من العملاء الذين من المحتمل أن يسحبوا أموالهم من البنك في اللحظة نفسها! البروفيسور'موري روثبارت' تصدى لهذه الحجة الواهية، حيث أكد أن هناك فرقاً كبيراً بين البنك ومهندس الجسر، ذلك أن المارة لا يملكون سنداً قانونياً لعبور الجسر في أي وقت شاؤوا، بينما المودعون لأموالهم في البنوك يملكون سنداً قانونياً لاسترجاع أموالهم متى أرادوا.
عندما يزداد حجم القروض التي تقدمها البنوك لعملائها، تزداد كمية الأموال الجديدة التي يتم تداولها بين الناس، وبعد مرور فترة من الزمن، تبدأ أسعار السلع تدريجيا في الارتفاع نظراً لتضاؤل القوة الشرائية للعملة المحلية، إذ ينبغي ألا ننسى أن المال مجرد سلعة تخضع لقانون العرض والطلب كبقية السلع، فعندما تزداد كمية الأموال المتداولة، تقل القوة الشرائية لهذه الأموال! لكن لاحظ أن هذه السياسة التضخمية تكافئ شريحة من المواطنين على حساب شريحة أخرى، ذلك أن المستفيد الأكبر من التضخم هم أولئك الذين يحصلون على الأموال الجديدة قبل أن تبدأ أسعار السلع في الارتفاع، وهؤلاء هم البنوك والعملاء المقترضون، أما بقية المواطنين ممن يعتمدون على التوفير من دخلهم الشهري الثابت فيشكلون الخاسر الأكبر، لأن الأموال التي في أيديهم لم تعد تحتفظ بقوتها الشرائية قبل بداية التضخم! من هنا نستنتج أن النظام المصرفي الحالي يكافئ المقترضين ويعاقب غيرهم من المواطنين الذين لا تعتمد حياتهم على الاقتراض من البنوك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق