لو كان لديّ طفل وأراد أن يقرأ كتاباً يتناول موضوع السحر والشعوذة، لاتخذت صلاحياتي التربوية كأب ومنعته من قراءة هذا النوع من الكتب، ليس من باب الخوف عليه من السحر والشعوذة، بل لأنه في سن لا تسمح له أن يستوعب ما في جعبتي من أدلة منطقية ضد موضوع الخرافة بشكل عام. بمعنى آخر، سبب المنع يكمن في القصور العقلي، وليس له علاقة بمضمون الكتاب! هذا القصور العقلي لدى طفلي يستمر فقط حتى إشعار آخر، أي بعد أن يصل إلى سن البلوغ، وهي سن تسمح له في أن يفكر بنفسه لنفسه، وعندها سأُجبَر كأب على رفع الحظر عن حرية ابني في قراءة ما يشاء، مع الاحتفاظ بمسؤوليتي في مناقشته بشأن الكتب التي يختار قراءتها كلما سنحت الفرصة، لكن ماذا لو قررت عدم رفع الحظر على الكتب حتى مع وصول ابني سن البلوغ؟ في هذه الحالة، يصبح من الواضح أني لا أثق في قدراته العقلية، وأني مازلت أعده طفلاً لم يشب عن الطوق بعد!
في كل سنة، ومع بداية فصل الخريف وحلول موسم الكتاب، يخرج الرقيب من عش الرقابة البائسة في ركن من أركان وزارة الإعلام ليقول لنا موبّخاً «هذه الكتب ممنوعة يا أطفال»! يبدو أن عدد المعترضين على هذه الجملة قليل جداً، ذلك ان حجم المظاهرة السنوية أمام معرض الكتاب احتجاجاً على الرقابة متواضع جداً، وهذا يعني أن أغلبية الشعب من البالغين لا تمانع في أن يكون القصور العقلي هو وجه الشبه بينها وبين الأطفال! ليس هناك إنسان عاقل يقبل بأن يصفه الآخرون بأنه قاصر عقلياً، لكن هذا بالضبط ما يقوله لنا الرقيب في كل سنة، ومع ذلك تمر هذه الإهانة مرور الكرام ولا يلتفت إليها سوى القليل!
الإنسان العاقل هو من يكون سلوكه خاضعاً لعقله، وحظر الكتب هو بمنزلة الوصاية على العقول، ومن هنا نستنتج أن حظر الكتب فيه وصاية أيضاً على السلوك! إذا كان هذا صحيحاً، فإن وظيفة الرقيب تصبح شبيهة بوظيفة الراعي، فالراعي يتحكم في سلوك أغنامه، يهش عليها بعصاه يميناً فتميل يميناً، وشمالاً فتميل شمالاً! هل يعي القارئ حجم الإهانة الكامنة في وظيفة رقيب يمسك بمقص في يد، وعصا في يده الأخرى؟ عندما يقرر أحدنا الخروج في مظاهرة احتجاجاً على حظر الكتب، فإنه لا يدافع فقط عن حريات التعبير والرأي والنشر، بل إنه يدافع عن كرامته كإنسان عاقل قبل أي شيء آخر!
هناك اعتصام سيقام في ساحة معرض الكتاب يوم السبت القادم، في تمام الساعة السادسة مساء، فمن أراد أن ينتصر لكرامته كإنسان عاقل، فإن ساحة المعرض في انتظاره، ومن لم يمنعه عن المجيء إلى هناك سوى التخاذل والتكاسل وعدم المبالاة، فليطرب لسماع صوت رقيب يقول له موبّخاً «هذه الكتب ممنوعة يا... طفل»!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق