في البدء كانت حادثة «التأبين»، ثم تأجيج إعلامي متعمد وغير مسؤول، ثم اعتقالات بالجملة، ثم تأتي حكاية «البلاغات الكاذبة» عن وجود متفجرات في المطار وأماكن أخرى. يبدو أن كاتب هذه المسرحية الهزيلة ينتظر فقط الضربة العسكرية المحتملة لإيران كي يعلن القانون الضرورة، «قانون الطوارئ»، وعندئذ يصبح الحديث عن حرية التعبير مجرد وقاحة، والدفاع عن حقوق الإنسان خيانة للوطن، والتجمع عند المخبز مشروع للانقلاب على القصر! يبدو أيضاً أن حكاية «البلاغات الكاذبة» جاءت لتقول لنا إن الاعتقالات الأخيرة لها ما يبرّرها، وأخشى ما أخشاه هو أننا إذا استمررنا في التشكيك بالأنباء الواردة، فإن الحماقة قد تدفع كاتب المسرحية إلى التسبب في سلسلة من التفجيرات الحقيقية على أرض الواقع، لكن على طريقة ال IRA (منظمة الجيش الجمهوري الأيرلندي)، أي من دون التسبب في إزهاق الأرواح البشرية!
ماذا لو لم تكن مسرحية، ماذا لو كانت فعلاً قصة حقيقية؟ لا يهم، بل المهم أن نسأل كيف قُدّر لها أن تنجح؟ بصرف النظر عمن يقف خلف حكاية «البلاغات الكاذبة»، سواء كان طرفاً خارجياً أم كاتب المسرحية إيّاه، فإن هذه البلاغات الكاذبة نجحت في استثمار التأجيج الإعلامي المتعمد وغير المسؤول، والتأجيج الإعلامي بدوره نجح في استثمار الشعور الوطني لخدمة مصالح من يقف وراء بعض الصحف! أي دناءة هذه التي تدفع بعضهم إلى تحويل العاطفة الوطنية الخاصة إلى نزعة انتقامية عامة؟ أي بشاعة هذه التي تدفع بعضهم إلى رفع لواء الوطن للنيل من المواطنين؟ أي زمرة فاسدة هذه التي تحسب أن بمقدورها التذاكي على الآخرين؟
مازال التأجيج الإعلامي لحادثة «التأبين» يتصاعد من دون أدنى إحساس بالمسؤولية، ومازالت بعض الصحف تفتش في الدفاتر القديمة للعثور على أسماء جديدة، ومازال بعضهم يتملّق من دون حياء صاحب شعار «سنضرب بعقل من حديد» كي يُجهز على ما تبقى لنا من حرية، ومازال بعض كتاب الصحف يطالب بكل وقاحة بقطع رؤوس «الخائنين» و التحذير من «المد الفارسي»! ما معنى أن يمتلئ مقال بعبارات التخوين والشكيك، والتهديد والوعيد، والغمز واللمز، ثم تأتي خاتمة المقال على شكل دعوة إلى الله بأن يقينا شر الفتن؟ هل بلغ التذاكي هذا الحد من الوقاحة، أم هل بلغت الوقاحة هذا الحد من التذاكي؟!
هناك الكثير ممن أدان حادثة «التأبين»، لكن على هؤلاء أن يتذكروا أنهم مدينون لحادثة «التأبين»، فلولا هذه الحادثة لما زادت مبيعات بعض الصحف، ولولاها لما ارتفعت الشعبية الزائفة لبعض النواب وكتّاب الصحف، ولولاها لما سدّد «كاتب المسرحية» ضربات موجعة إلى خصومه السياسيين! ربحتم الكثير، ويبقى الوطن بفضل رعونتكم وأنانيتكم وغبائكم الخاسر الوحيد!
الأربعاء، 29 يوليو 2009
قانون الطوارئ: الفصل الأخير من المسرحية الهزيلة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق