لنفرض أن خمسة أشخاص خرجوا في رحلة صيد، ثم اختلفوا حول من تقع عليه مسؤولية إعداد الطعام، وبعد جدال طويل، أخرج أحدهم المسدس وأرغم الأربعة الباقين على إعداد الطعام! في هذا المثال، الدكتاتورية هي الطريقة التي تم بواسطتها حل المشكلة، والظلم هو النتيجة، لكن ماذا لو استبدلنا الدكتاتورية بالديموقراطية، فهل سيتحول الظلم إلى عدل؟ كي نجيب عن هذا السؤال بطريقة شافية، سنحتاج إلى إضافة بعض التعديلات على المثال السابق ليصبح على النحو التالي:
هناك خمسة أشخاص خرجوا في رحلة صيد، ثم اختلفوا حول من تقع عليه مسؤولية إعداد الطعام، وللخروج من هذه المشكلة اقترح أحدهم أن يقوم أصغرهم سناً بهذه المهمة، وبعد التصويت على هذا الاقتراح، أسفرت النتيجة عن موافقة الأربعة الكبار ومعارضة الصغير! من خلال هذا المثال البسيط، بإمكاننا أن نطرح سؤالين مختلفين حول القرار الذي تم التصويت عليه:
1- هل القرار ديموقراطي؟
2- هل القرار عادل؟
السؤال الأول يتعلق بالطريقة التي تم بواسطتها اتخاذ القرار، بينما يرتبط السؤال الثاني بالآثار المترتبة على هذا القرار. لاشك في أن القرار كان ديموقراطياً، فالديموقراطية هي حكم الأغلبية، ومع ذلك فهو قرار ظالم، ذلك أن تحديد مسؤولية إعداد الطعام استندت إلى معيار غير موضوعي، فعامل السن لا يخضع لإرادة الفرد، ومن غير المنطقي إلزام الصغير بإعداد الطعام لأنه جاء إلى هذه الحياة متأخرا عن الأربعة الباقين!
في المثال الأول، تحققت دكتاتورية الفرد عن طريق اللجوء إلى العنف، وفي المثال الثاني، تحققت دكتاتورية الجماعة عن طريق اللجوء إلى الديموقراطية، ومن هنا نصل إلى استنتاج مهم، وهو أن الديموقراطية ليست نقيضة للدكتاتورية على طول الخط، فالديموقراطية التي لا يكبح جماحها سوى إرادة الأغلبية ليست سوى وجه آخر من وجوه الديكتاتورية! لاحظ أن الاختلاف بين المثالين يقتصر فقط على هوية الضحية، فتارة تكون الضحية هي الأغلبية، وتارة تكون الأقلية هي الضحية!
الخلط بين مفهوم العدل ومفهوم الديموقراطية يؤدي غالباً إلى خطأ شائع، فكثير هم من يعتقدون أن التوصل إلى قرار بطريقة ديموقراطية يعد كافياً لضمان عدالة هذا القرار! لكن الديموقراطية مثل الدكتاتورية، فكلاهما يعبر عن طريقة معينة في كيفية اتخاذ القرار، أما مضمون القرار ذاته ومدى عدالته فيحددهما الدستور، وعندما لا يحظى الدستور بالقدر الأدنى من الاحترام، فإن مشروعية أي قانون تخضع إلى المزاج الفردي لدكتاتور أو إلى المزاج الجماعي لأغلبية دكتاتورية!
إذا كان النظام الديموقراطي لايؤدي بالضرورة إلى نظام عادل، فكيف نستطيع الجمع بين مفهومي الديموقراطية والعدل بحيث نتمكن من إقامة نظام ديموقراطي عادل؟ العدل يقوم على فكرة المساواة، والمساواة تشير إلى صفة يشترك فيها جميع الأطراف. هذا يعني أننا إذا أردنا ديموقراطية عادلة، ينبغي لنا إخضاع كل قرار يتخذ بطريقة ديموقراطية إلى شرط عدم الإخلال بمبدأ المساواة، أي أن القرار الديموقراطي يجب أن لا ينسف هذه الصفة التي يشترك فيها جميع الأطراف. ما هي هذه الصفة التي يشترك فيها جميع الأطراف؟ ما هي هذه الصفة التي تجمعنا؟ ليست هي الأسرة بطبيعة الحال، فأغلبنا كأفراد ينتمي إلى أسر مختلفة، ولا القبيلة، ولا الدين، ولا حتى الوطن! إن هذه الصفة ببساطة هي الإنسانية، ولو اتخذنا من حقوق الإنسان خطاً أحمر لا تتعداه إرادة الأغلبية، لوفرنا على أنفسنا هذه السلسلة الطويلة من المشاكل الموسمية التي تثار بين الحين والآخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق