في مثل هذا الوقت من كل عام، ينتابني شعور بغيض بالإحباط بمجرد أن أتذكر أن دفعة جديدة من آلاف الأطفال انضمت أخيراً إلى ضحايا التعليم النظامي! الأطفال ملائكة حتى إشعار آخر، أي حتى يستوعبوا جيدا دروس التعليم النظامي، وعندها سيشاركوننا الخطيئة ويصبحون على شاكلتنا نحن معشر الكبار! لكن ما هو بالضبط المصير الذي ينتظر هذه الدفعة من ضحايا التعليم؟ بحكم أني ضحية سابقة، سأحاول أن أجيب عن هذا السؤال، وليسمح لي مربّونا الأفاضل أن أجلس على كرسي الاعتراف!
مازلت أذكر جيدا تفاصيل أول يوم دخلت فيه ذلك المعتقل المحاط بالأسلاك الشائكة، والذي يسمونه تجاوزا «مدرسة». لم أستوعب السر وراء وجود أسلاك شائكة حول سور المدرسة إلا بعد أن رأيت بعض التلاميذ ينسلون خفية كي يتسلقوا السور استعدادا للهرب، وعندها فقط أدركت أن مدرستي تنتج صنفين من البشر؛ صنف متمرد، وصنف مستكين. وكم ندمت لاحقا على اختياري الانضمام إلى الصنف المستكين!
مازلت أذكر أيضا بكاء بعض الأطفال في يومهم الدراسي الأول، وخصوصا ذلك الطفل الذي كان يُدعى «ناصر»، فقد كان يصرخ بشدة قائلا: «وين سارة»؟ وعندما سألته من تكون سارة هذه، أجابني بأنها زميلة له في مرحلة رياض الأطفال! مسكين «ناصر» هذا، لم يكن يدري أن أهم درس في مرحلة التعليم الابتدائي هو القبول غير المشروط بحقيقة أن هناك فوارق «خطيرة» بين الذكر والأنثى، وأن عمره الذي لم يتجاوز الست سنوات لن يشفع له في إغفال هذه الحقيقة! لو خرجت إلى فضاء الطبيعة الواسعة وصادفت أسدا، فسأجد بقربه لبوءةً، لكن في ظل مجتمع يناصب العداء للطبيعة، سيبقى ناصر في مدرسة، وستبقى سارة في مدرسة أخرى.
لست أشك في أن مربينا الأفاضل نجحوا في إقناعنا منذ الصغر بأن هناك فوارق خطيرة بين الطفل والطفلة، ولكني أشك في استيعاب هؤلاء المربين لتداعيات هذه الفكرة الرجعية وانعكاساتها السلبية على السنوات اللاحقة من تحصيلنا الدراسي. على سبيل المثال، يجهل المربون الأفاضل ماذا حصل في المرحلة الثانوية؟ ففي ذات يوم، وأثناء فترة الاستراحة بين الدروس، جاءت إلى مدرستنا ممرضة بدينة تجاوز عمرها الأربعين، وأثناء عبورها الساحة في طريقها إلى عيادة المدرسة، وقف الجميع، طُلّابا ومدرسين، ينظرون إلى تلك «الحمامة» التي حطّت على «عش الغربان»! المفارقة هي أن الصوت الجميل للمقرئ «عبدالباسط عبدالصمد» كان يتردد في أرجاء المدرسة، لكن ذلك لم يمنع الجميع من أن يُولّوا وجهوهم شطر «الحرام»! لولا تلك الدروس الغبية حول «الفوارق الخطيرة» بين الذكر والأنثى لما التفت أحد إلى وجود ممرضة بين أسوار المدرسة.
نعم، إني محبط من مصير هذه الدفعة الجديدة من البراعم البريئة، ويؤلمني معرفة أن آلاف الأطفال بدؤوا المسير على خطانا نحن السلف الطالح! سيتعلمون، مثلنا تماما، أنه إلى جانب الدروس على السبورة، هناك أيضا دروس في المقاعد الخلفية، وهي دروس في كل شيء عدا الدراسة! سيتعلمون، مثلما تعلمنا، أن هناك «فرقا خطيرا» بين المذهب السني والمذهب الشيعي، لكنهم لن يتمكنوا أبدا من معرفة السبب الجوهري وراء نشوء هذا الخلاف المذهبي، وهو سبب يشير إلى فشل أسلافنا في حل نزاعاتهم بطرق سلمية، وهذا بالضبط ما ورثناه منهم! سيتعلمون، رغم انحطاطنا العلمي والفكري والتعليمي، أننا خير شعوب الأرض! سيحفظون كما حفظنا، وسيندمون كما ندمنا، ثم يأتي يوم يكتب فيه أحد أطفال اليوم مقالا يتحسّر من خلاله على دفعة جديدة من ضحايا أطفال الغد؛ فكلما تأخرنا في إصلاح التعليم، زاد عدد الضحايا.
مازلت أذكر جيدا تفاصيل أول يوم دخلت فيه ذلك المعتقل المحاط بالأسلاك الشائكة، والذي يسمونه تجاوزا «مدرسة». لم أستوعب السر وراء وجود أسلاك شائكة حول سور المدرسة إلا بعد أن رأيت بعض التلاميذ ينسلون خفية كي يتسلقوا السور استعدادا للهرب، وعندها فقط أدركت أن مدرستي تنتج صنفين من البشر؛ صنف متمرد، وصنف مستكين. وكم ندمت لاحقا على اختياري الانضمام إلى الصنف المستكين!
مازلت أذكر أيضا بكاء بعض الأطفال في يومهم الدراسي الأول، وخصوصا ذلك الطفل الذي كان يُدعى «ناصر»، فقد كان يصرخ بشدة قائلا: «وين سارة»؟ وعندما سألته من تكون سارة هذه، أجابني بأنها زميلة له في مرحلة رياض الأطفال! مسكين «ناصر» هذا، لم يكن يدري أن أهم درس في مرحلة التعليم الابتدائي هو القبول غير المشروط بحقيقة أن هناك فوارق «خطيرة» بين الذكر والأنثى، وأن عمره الذي لم يتجاوز الست سنوات لن يشفع له في إغفال هذه الحقيقة! لو خرجت إلى فضاء الطبيعة الواسعة وصادفت أسدا، فسأجد بقربه لبوءةً، لكن في ظل مجتمع يناصب العداء للطبيعة، سيبقى ناصر في مدرسة، وستبقى سارة في مدرسة أخرى.
لست أشك في أن مربينا الأفاضل نجحوا في إقناعنا منذ الصغر بأن هناك فوارق خطيرة بين الطفل والطفلة، ولكني أشك في استيعاب هؤلاء المربين لتداعيات هذه الفكرة الرجعية وانعكاساتها السلبية على السنوات اللاحقة من تحصيلنا الدراسي. على سبيل المثال، يجهل المربون الأفاضل ماذا حصل في المرحلة الثانوية؟ ففي ذات يوم، وأثناء فترة الاستراحة بين الدروس، جاءت إلى مدرستنا ممرضة بدينة تجاوز عمرها الأربعين، وأثناء عبورها الساحة في طريقها إلى عيادة المدرسة، وقف الجميع، طُلّابا ومدرسين، ينظرون إلى تلك «الحمامة» التي حطّت على «عش الغربان»! المفارقة هي أن الصوت الجميل للمقرئ «عبدالباسط عبدالصمد» كان يتردد في أرجاء المدرسة، لكن ذلك لم يمنع الجميع من أن يُولّوا وجهوهم شطر «الحرام»! لولا تلك الدروس الغبية حول «الفوارق الخطيرة» بين الذكر والأنثى لما التفت أحد إلى وجود ممرضة بين أسوار المدرسة.
نعم، إني محبط من مصير هذه الدفعة الجديدة من البراعم البريئة، ويؤلمني معرفة أن آلاف الأطفال بدؤوا المسير على خطانا نحن السلف الطالح! سيتعلمون، مثلنا تماما، أنه إلى جانب الدروس على السبورة، هناك أيضا دروس في المقاعد الخلفية، وهي دروس في كل شيء عدا الدراسة! سيتعلمون، مثلما تعلمنا، أن هناك «فرقا خطيرا» بين المذهب السني والمذهب الشيعي، لكنهم لن يتمكنوا أبدا من معرفة السبب الجوهري وراء نشوء هذا الخلاف المذهبي، وهو سبب يشير إلى فشل أسلافنا في حل نزاعاتهم بطرق سلمية، وهذا بالضبط ما ورثناه منهم! سيتعلمون، رغم انحطاطنا العلمي والفكري والتعليمي، أننا خير شعوب الأرض! سيحفظون كما حفظنا، وسيندمون كما ندمنا، ثم يأتي يوم يكتب فيه أحد أطفال اليوم مقالا يتحسّر من خلاله على دفعة جديدة من ضحايا أطفال الغد؛ فكلما تأخرنا في إصلاح التعليم، زاد عدد الضحايا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق