إن الحقائق تشير إلى مدى التزام «حماس» بالهدنة الماضية، فهناك مع الأسف من يتهمها بالتعنت في عدم تجديد الهدنة التي انقضت في 19 ديسمبر الماضي، ويحملها مسؤولية الدمار الذي لحق بغرة وأهلها، ولكن تجديد الهدنة من دون رفع الحصار يعني تجديدا للحصار نفسه.
في مؤتمر الدوحة، ألقى رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» السيد خالد مشعل خطابا وضع فيه النقاط على الحروف، وبيّن من خلاله شروط فصائل المقاومة الفلسطينية لوقف إطلاق النار، وهي وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، ورفع الحصار، وفتح المعابر وفي مقدمتها معبر رفح. ليس بوسع أي إنسان منصف أن ينكر حق المقاومة الفلسطينية بالتمسك بهذه الشروط، فهي لا تبدو شروطا تعجيزية إلا في نظر إسرائيل وحلفائها من الغرب المتعجرف والشرق المستكين.
هناك نقطة مهمة ذكرها السيد خالد مشعل في خطابه، وهي أن العدوان الإسرائيلي لم يكن سببه عدم استجابة المقاومة لشروط الهدنة التي بدأت في يونيو الماضي، بل إن «حماس» قبلت بشروط الهدنة رغم معرفتها بتاريخ إسرائيل غير المشرف باختراق سياسة وقف إطلاق النار في الأعوام 2003، و2005، و2006، ولم تطلب الحركة أكثر من رفع الحصار الجائر على غزة، ورغم ذلك لم يستجب أحد لهذا المطلب المشروع، ثم يضيف «مشعل» أن الإنسان في غزة أصبح بين خيارين: «أن يموت بطيئا بالحصار، أو يموت سريعا بالنار»! هناك ممن لا يعجبهم مثل هذا الكلام لمجرد صدوره من «خالد مشعل»، ولكنه حديث يعبّر عن واقع لا يجحده إلا ظالم، وهو ما أكده الرئيس الأميركي الأسبق «جيمي كارتر» أثناء زيارته الأخيرة للمنطقة حين قال: «صورايخ «حماس» كانت الخيار الوحيد للرد على سجن الحصار»!
هناك مع الأسف من يتهم «حماس» بالتعنت في عدم تجديد الهدنة التي انقضت في 19 ديسمبر الماضي، ويحملها مسؤولية الدمار الذي لحق بغرة وأهلها، ولكن تجديد الهدنة من دون رفع الحصار يعني تجديدا للحصار نفسه، ثم إن الحقائق تشير إلى مدى التزام «حماس» بالهدنة الماضية، فرئيس الحكومة الديمقراطية المقالة السيد «إسماعيل هنية» ذهب إلى حد إصدار قانون يحظر على أفراد المقاومة اختراق الهدنة، ورغم ذلك اخترقت إسرائيل ميثاقها وقامت بغارة على قطاع غزة عشية الانتخابات الأميركية في الرابع من نوفمبر الماضي، ولكن أنظار وسائل الإعلام آنذاك كانت منشعلة بوصول «أوباما» إلى البيت الأبيض!
«حماس» متهمة أيضا بتعطيل عملية السلام واللجوء إلى خيار العنف، وهو اتهام تكذّبه الحقائق، فبالرغم من اختراق إسرائيل المستمر لمعاهدة وقف إطلاق النار، وبالرغم من إعلان «حماس» عدم تجديد مدة الهدنة إلا بعد رفع الحصار، صرّح أحد قادة الحركة، وهو الدكتور «محمود الزهار»، لصحيفة الأهرام المصرية أن «حماس» على استعداد لوقف إطلاق الصورايخ بشرط التزام إسرائيل بشروط هدنة يونيو الماضي، وجاء هذا التصريح قبل أربعة أيام فقط من بداية العدوان الإسرائيلي، ورغم ذلك لم تستجب إسرائيل لهذا المطلب! وصلت «حماس» إلى السلطة عن طريق انتخابات ديمقراطية نزيهة، ثم فرضت إسرائيل حصارا وحشيا على أهل غزة لأنهم لم يحسنوا الاختيار حسب رأيها، ورغم ذلك صرّح السيد «إسماعيل هنية» بأن الفلسطنيين لا يريدون إلقاء اليهود في البحر، بل يريدون فقط سلاما عادلا في ظل المبادرة العربية التي تؤكد على اعتراف العرب بإسرائيل شريطة الانسحاب إلى حدود 1967 (انظر المقابلة التي أجرتها صحيفة الواشنطن بوست مع إسماعيل هنية، 26 فبراير 2006). لكن إسرائيل غير معنية بعملية السلام، بل إنها تريد فقط كسب الوقت لاغتصاب المزيد من الأراضي الفلسطينية، وحتى عندما تتباهى بإزالة المستوطنات كما حدث في غزة في عام 2005، فإن هذه الإزالة جاءت على حساب إقامة مستوطنات جديدة في الضفة الغربية!
مازلت إسرائيل، وبرعاية أميركية، تتبنى سياسة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق «موشيه ديان» في التعامل مع القضية الفلسطينية، فهو سبق أن قال: «ليس هناك فلسطين، انتهت!» (انظر مجلة Time، 30 يوليو 1973)، وقال أيضا: «علينا أن نقول للفلسطينين أنه ليس لدينا حل لكم، وأنكم ستعيشون كالكلاب، فمن أراد أن يرحل فليرحل»! (انظر كتابFateful Triangle، صفحة 481). إزاء هذه السياسة المهينة والظالمة والمتعجرفة، يأتي من يستكثر على «خالد مشعل» تساؤله المشروع: «ألا يستحق أهل غزة أن يعيشوا أحرارا؟ نحن نقاوم، هذا شأن الإنسان الحر، هذا شأن الجسد الحي»!
الجمعة، 31 يوليو 2009
خالد مشعل يضع النقاط على الحروف
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق