عدد المهتمين بالشأن السياسي الكويتي من الجنسين في تزايد ملحوظ، ويمكن أن نستدل على هذه الحقيقة من خلال العدد المتزايد للمواقع الإلكترونية المتخصصة بالشأن السياسي مثل المدونات والمنتديات، أو من خلال الحضور الكثيف لشريحة الشباب في التجمعات والندوات السياسية. هذا النمو الكمي لا يقابله مع الأسف نمو كيفي، فبينما ساهمت شريحة الشباب في زيادة نسبة المواطنين المهتمين بالعمل السياسي، لم تسهم في المقابل في تقديم رؤية جديدة حول كيفية التعامل مع الواقع السياسي، ولهذه الحقيقة أسباب سأتناول بعضاً منها في هذا المقال.
يتعامل الجيل القديم مع دستور 62 بصفته نقطة انعطاف مهمة في تاريخ الكويت السياسي، وبدلاً من البحث عن نقاط انعطاف تاريخية أخرى لا تقل أهمية عن لحظة صدور الدستور، نجد أن جيل الشباب يقبل من دون تحفظ هذه الصورة النمطية لتاريخ الكويت السياسي، وهو قبول سلبي يعكس تكاسلاً معيباً في تقصي الحقيقة وإعادة قراءة التاريخ بصورة أكثر شمولية. عندما يدور تاريخنا السياسي بمجمله حول محور الدستور، فإن من السهل جداً اختزال الصراع السياسي بين قوى معادية للدستور وأخرى مناصرة له، ولكن هل يكفي هذا الشكل من الصراع في شرح واقعنا السياسي؟
لماذا لا نحاول، مثلاً، الإجابة عن أسئلة من هذا القبيل: ما أثر اكتشاف النفط على طبيعة الصراع السياسي التاريخي بين الأسرة الحاكمة وطبقة التجار؟ وكيف استطاعت طبقة التجار المحافظة على مكانها المميز حتى بعد مرحلة تصدير النفط؟ وما مدى نجاح النفط في تعزيز السلطة السياسية للأسرة الحاكمة بعد انتهاء الحماية البريطانية؟ وهل ساهمت عوائد النفط أيام الأمير الراحل عبدالله السالم في التخفيف من حدة الأطماع الخارجية وفي «تسوية» الأوضاع الداخلية؟ وهل كانت عوائد النفط بداية لمشاريع تنموية حقيقية أم بداية لمشكلات البطالة المقنعة والبذخ والاستهلاك؟ ثم ما دور تشجيع عادة الاستهلاك بين أفراد الشعب منذ ستينيات القرن الماضي، عن طريق منح رواتب مجزية من جانب وعرض بضائع متنوعة من شتى بقاع الأرض من جانب آخر، أقول ما دور تشجيع عادة الاستهلاك هذه في انتقال جزء كبير من عوائد النفط إلى جيوب من اشتروا النفط؟ وهل لعبت الطبقة التجارية المحلية دور الوسيط في هذا الانتقال؟ لست أدري كيف يتسنى لجيل الشباب الإجابة عن هذه الأسئلة في الوقت الذي يعتمد فيه هذا الجيل على قراءة ضيقة ورثها عن الجيل القديم، قراءة تختزل تاريخ الكويت السياسي في قوى «الشر» المعادية للدستور وقوى «الخير» المدافعة عنه!
هذه النظرة الضيقة في قراءة التاريخ، والتي تجعل من الدستور محوراً للصراع السياسي، ساهمت إلى حد كبير في تهميش دور الصراع الطبقي في تشكيل تاريخ الكويت السياسي، وهي المسؤولة أيضا عن الصورة الرومانسية في أذهان الكثير من شباب اليوم عن بدايات الحياة النيابية في الكويت! هذه الصورة الرومانسية هي التي دفعت أحد المواقع الإلكترونية، التي يديرها بعض الناشطين السياسيين من جيل الشباب، إلى عقد مقارنة بين «مجانين اليوم» من نواب المجلس و«عقلاء الأمس» من أعضاء المجلس التأسيسي، لكني على ثقة بأن هؤلاء الشباب يجهلون، مثلاً، أن اثني عشر نائباً من «عقلاء الأمس» طالبوا بانضمام الكويت إلى الجمهورية العربية المتحدة، وذلك بعد أن ساهم استيلاء البعثيين على السلطة في سورية والعراق في التفكير في إعادة فكرة الوحدة من جديد في عام 1963!
بالرغم من وجود نسبة كبيرة بين جيل الشباب ممن يحملون الشهادات الجامعية، ويمتلكون الأدوات الأساسية التي تتيح لهم الاطلاع على مصادر أخرى للتاريخ، فمازال هذا الجيل يعتمد بشكل عام على حاسة السمع في الحصول على المعلومة التاريخية! إن هذا التعاطي السلبي مع تاريخ الكويت السياسي هو المسؤول عن سهولة تحول شريحة كبيرة من الشباب إلى مجرد أتباع للتيارات والأحزاب السياسية، وهو الذي ساهم في انشغالهم بصراعات سطحية يدافعون من خلالها عن التكتلات السياسية التي ينتمون إليها!
هناك دور مستحق للشباب الكويتي في الإصلاح السياسي، وتفعيل هذا الدور يتم عبر المحاولة الجادة لإعادة قراءة تاريخ تم اكتسابه عن طريق الوراثة! إعادة قراءة التاريخ تمنح الشباب الفرصة في العثور على قضايا جادة، وعندما يمتلك الشباب قضية، فإن علاقة التبعية السلبية للتيارات السياسية ستنتهي إلى غير رجعة!
الخميس، 30 يوليو 2009
دور الشباب الكويتي في الإصلاح السياسي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق