قبل أكثر من سنة، كتبت مقالاً في جريدة «الطليعة» عن موضوع حوار الأديان، وفي الأسبوع الماضي حرصت على متابعة أخبار المؤتمر العالمي لحوار الأديان في الصحف المحلية والأجنبية، وبما أني لم أعثر على جديد في كل ما قيل بشأن هذا المؤتمر، فإني مضطر هنا إلى أن أبعث الحياة من جديد في مقال قديم:
ما الهدف من حوار الأديان؟ أطرح على نفسي هذا السؤال في كل مرة أسمع فيها عن دعوة إلى إقامة حوار بين الأديان، وما أكثر الدعوات في هذا الشأن!، من السخف أن يكون الهدف هو الوصول إلى اعتراف متبادل بين الأطراف جميعها بحقيقة كل دين، فلو تم ذلك لاختفى كل دين من تلقاء نفسه، ذلك أن حقيقة كل دين تعتمد في وجودها على بطلان حقيقة الأديان الأخرى، هل الهدف إذن من هذا الحوار هو التوصل إلى احترام متبادل بين الأديان؟ لكن هذا الهدف أيضاً لا يخلو من إشكالية، فهو يفترض ضمناً أن الأديان لا تحترم بعضها بعضاً، ولهذا السبب بالذات هي مدعوة إلى الحوار في ما بينها. إذا كان هذا صحيحاً، فإن الأجدر بكل دين أن يعيد قراءة تراثه لمعرفة أين يكمن منبع عدم احترام الديانات الأخرى؟ ولو تم ذلك لانتفت الحاجة إلى عقد حوار أساساً. لعل الهدف من هذا الحوار هو محاولة التشديد على نقاط الالتقاء وصرف النظر عن نقاط الاختلاف لضمان التعايش السلمي بين الأديان. هذا الهدف يبدو أكثر إقناعاً، لكنه يشير إلى اعتراف ضمني مفاده أن الأديان غير متسامحة مع مبدأ الاختلاف، وفي حال بروز هذا الاختلاف على السطح فإن الحوار بين الأديان يصبح مستحيلاً، فضلاً عن استحالة التعايش السلمي غير المشروط بينها.
يبدو أن الحوار بين الأديان لا يفتقر إلى هدف منطقي فحسب، بل إنه حوار لا يخلو أيضاً من مفارقات غريبة. على سبيل المثال، الدعوة إلى حوار مسيحي- إسلامي تفترض وجود رؤية مسيحية موحدة في مقابل رؤية إسلامية موحدة، لكن الواقع يشير إلى عكس ذلك، ولعل عام 2004 حمل معه دلالة خاصة، ففي تلك السنة عُقد منتدى الوحدة والثقافة الإسلامية في البحرين، وقبله بثلاثة أشهر ألقى بابا الفاتيكان الراحل خطاباً عاطفياً ضمن مناسبة «أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين». المفارقة الأخرى هي دعوة طرفين إلى الحوار في الوقت الذي يكون فيه كل منهما منهمكاً في سباق محموم لزيادة عدد الأعضاء، فالقارة الإفريقية كانت ولم تزل ساحة نزاع عقائدي بين الدعوة إلى الإسلام والتبشير بالنصرانية، وهو النزاع الذي شهد اتهامات متبادلة باللعب غير النظيف والتنافس غير الشريف. بالمناسبة، لماذا تكون الأسواق العقائدية رائجة في دول البؤس والفقر والحاجة؟!
في دول العالم الإسلامي، تحاول الجماعات الإسلامية التغلل إلى التشريعات والقوانين المدنية واستبدالها تدريجياً بالشريعة الإسلامية. في الغرب، تُصرُّ الجماعات المسيحية، وعلى رأسها الفاتيكان، على إضافة كلمة «الرب» وتعبير «التراث المسيحي لأوروبا» إلى أبجديات مسودة دستور الاتحاد الأوروبي. الغريب أن كلا الطرفين، الإسلامي والمسيحي، يفضل وجود نظام علماني عند الآخر، وذلك لضمان حقوق الأقليات التابعة له، بمعنى آخر، النظام العلماني مرفوض في نطاق خريطة حدودي الدينية، لكن حبذا وجود هذا النظام عند غريمي ومنافسي كي أجبره على ضمان حقوق أتباعي الموجودين على أرضه، هذه الازدواجية في المعايير ليست غريبة عن العقلية الدينية ذات النفس السياسي، لكنها تحمل دلالة في غاية الأهمية: إنها تشير إلى اعتراف ديني بأن التعايش السلمي بين الأديان ممكن فقط في ظل نظام يفصل بين الدين والسياسة، وأن فرصة الوجود غير المشروط لأي دين تحت مظلة دين آخر ضعيفة جداً، إن لم تكن مستحيلة، ربما نستثني من ذلك تاريخ دخول البوذية إلى اليابان وتعايشها السلمي مع ديانة «الشينتو» الأصلية.
أخيراً، لعل السبب في افتقار حوار الأديان إلى هدف منطقي واضح يكمن في أن أطراف الحوار أنفسهم لا يقيمون وزناً للمنطق في واقع الأمر، لسنا في حاجة إلى حوار بين الأديان، بل إلى تعهد بين الأديان بالابتعاد عن السياسة!.
الخميس، 30 يوليو 2009
حوار الأديان... مرة أخرى!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق