بينانغ جزيرة تقع ضمن حدود ماليزيا، لها تاريخ طويل وثقافات متعددة، دخلها المسلمون عن طريق التجارة، واستولى عليها البريطانيون عن طريق الخبث، واقتحمها اليابانيون عن طريق القوة. سكان الجزيرة خليط من الصينيين والهنود والمالاي، وبالرغم من صغر حجمها، فإنها تضم مزيجاً مدهشاً من المساجد والمعابد والكنائس! هناك أيضاً منتجعات سياحية خلابة، أحدها يقع في الجهة الشمالية من الجزيرة، ويعرف باسم «باتو فيرينغي»، وفي هذا المكان تحديداً تم توقيع «اتفاقية بينانغ». ربما لم يسمع القارئ من قبل عن هذه الاتفاقية، ولست ألومه في ذلك، فهي اتفاقية غير موثقة في كتب التاريخ، بل ان باستطاعتي أن أزعم أن هذا المقال هو أول توثيق لاتفاقية بينانغ!
في صيف عام 2001، جلس خمسة رجال على ضفاف منتجع «باتو فيرينغي» في جزيرة بينانغ، وبالرغم من أنهم ينتمون جميعاً إلى شبه الجزيرة العربية، فإنهم لم يتعرفوا على بعضهم إلا في هذا المنتجع. خاطب أحدهم الباقين قائلا: «قبل وصولكم أنتم وأهلكم إلى هذا المكان، طلبت مني زوجتي على استحياء أن أسمح لها بخلع النقاب، وحجتها في ذلك أن النقاب لا يسمح لها بتناول الطعام بسهولة ويسر، وأعترف بأني قلّبت الفكرة في رأسي، وبعد أن لاحظت أنني العربي الوحيد في هذا المكان، وأني محاط بأشباه رجال من الأجانب ونساء شبه عاريات، قررت السماح لها في خلع النقاب عند تناول الطعام، بل اني ذهبت إلى أبعد من ذلك وأذنت لها في أن تكشف عن وجهها ما دمنا في حدود هذا المنتجع!».
بعد أن ألقى نظرة سريعة وفاحصة على مَن حوله، تابع حديثه ليقول: «لكن بعد مجيئكم أنتم، وبعد أن لاحظت أن جميع زوجاتكم يرتدين النقاب، عدت من جديد إلى فرض النقاب على زوجتي! هذا الفعل من جانبي ينم عن عدم ثقة بكم، لكن لا أحسبكم تنكرون أن علاقة عدم الثقة متبادلة، فأنتم من أجبرني على ذلك من خلال إصراركم على فرض النقاب على زوجاتكم حتى في هذا المكان الواقع في أقصى الشرق من الكرة الأرضية! لقد بلغ الأمر من السخف حداً لا يطاق، فبالأمس أراد صبي أجنبي أن يلتقط صورة لزوجتي لأنه لم يشاهد في حياته لباساً بهذه الغرابة في منتجع سياحي! دعونا نصل إلى اتفاق نتعهد من خلاله على الاكتفاء بالحجاب من دون النقاب، وأرجو أن يلتزم الجميع بهذا الاتفاق مادمنا في حدود هذا المنتجع!».
بعد تردد ومماطلة، وافق الرجال الخمسة على هذا الاقتراح وتم توقيع اتفاقية بينانغ التي تقضي بالتنازل عن النقاب والاكتفاء بارتداء الحجاب، ولكن كل اتفاقية مبهمة لابد أن تتعرض إلى مشاكل عند التطبيق، وهذا ما حدث عند تطبيق اتفاقية بينانغ، فبعد مرور أيام قليلة، بدا واضحاً أن لكل طرف تفسيره الخاص لبنود الاتفاقية، فبينما سمح بعض الرجال لزوجاتهم بخلع النقاب في حدود المنتجع، لم يسمح بعضهم الآخر لزوجاتهم بخلع النقاب إلا عند تناول الطعام!
اجتمع الخمسة من جديد لمراجعة بنود الاتفاقية، ثم تعالت الأصوات واشتد الجدل، وبينما كانوا يختصمون حول بنود خلع النقاب في منتجع «باتو فيرينغي»، جلست سائحة فرنسية على مقربة عشرة أمتار منهم، تمسك بكتاب في يدها اليمنى، وتداعب خصلات شعرها بيدها اليسرى!
بينانغ جزيرة جميلة، اختلطت على أرضها دماء المسلمين بدماء البوذيين والمسيحيين، وتمازجت في سمائها أصوات المآذن والمعابد والكنائس، لكن يبدو أن هذا التاريخ الطويل من التسامح لم يمنع حفنة من المهووسين جنسياً من اتخاذ هذه الجزيرة ساحة للنزاع حول قضية ثانوية مثل تحديد المكان المناسب لخلع النقاب!
الخميس، 30 يوليو 2009
اتفاقية بينانغ
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق