«الحرب لا تقرر من هو على صواب، بل من بقي على قيد الحياة!»،
برتراند رسل.
عندما كنا أطفالاً صغاراً دون سن العاشرة، كانت لعبتنا المفضلة هي لعبة «الحرب»، والدمية المحببة إلى قلوبنا هي دمية «المسدس»، والمسلسل التلفزيوني الذي لا تفوتنا مشاهدته أبداً هو «دخان البنادق»! كنا نجد لذة خاصة في الاستماع إلى أحاديث الكبار، وهي أحاديث مستوحاة في أغلبها من الصحراء، والذي فهمناه من تلك القصص، هو أن ثمن الشجاعة يقدّر بعدد الأرواح البشرية المسلوبة، وأن البطش والسلب والعنف كلها صفات تندرج تحت قائمة الخصال الحميدة! في المدرسة، كانت أغلب قصص التراث تنتهي بعبارة « ... وضرب عنقه»، وفي المسجد كانت كل دعوة على الكفار والمشركين تتضمن أمنية أن «يزلزل الله الأرض من تحت أقدامهم»، من دون استثناء الأطفال أو النساء!
عندما أسترجع ذكريات الماضي، لا تدهشني أحداث الحاضر. لا تدهشني، مثلا، هذه اللامبالاة الغبية بقيمة الإنسان من المحيط إلى الخليج، فمفهوم الإنسانية لا يمكن فهمه واستيعابه، إلا عندما ندين مفهوم الحرب، ونحن لا ندين حربا إلا إذا كنا ضحاياها. عندما بدأت حرب احتلال العراق، خرجت الجماهير العربية إلى الشوارع في مسيرات شعبية ومظاهرات كاسحة، لكن مبدأ الخروج إلى الشارع لم يكن مرتبطاً برفض الحرب كمفهوم لا إنساني، بل لنصرة ضحية تنتمي إلى المربع ذاته. بمعنى آخر، التظاهر لم يكن من أجل العراقي كإنسان، بل من أجل العراقي كعربي مسلم. لماذا لم نشهد حتى هذه اللحظة مظاهرة واحدة فقط ضد حرب لسنا فيها الضحية، أو لا تربطنا مع الضحية رابطة دم أو دين؟ نحن على أهبة الاستعداد لحرق السفارات ورفع الشعارات الغاضبة من أجل رسوم كاريكاتورية، لكننا لا نحرك ساكناً ولا تهتز لنا شعرة عند سماعنا عن مذبحة أفريقية يقدر عدد ضحاياها بمئات الألوف! القتل كجريمة بشعة لا يهمنا، ما يهمنا فقط هو معرفة من المقتول، فإن كان صديقا أقمنا المآتم، وإن كان عدوا أقمنا الأفراح، وإن كان لا هذا و لا ذاك التزمنا الصمت!
يردد كثير من المختصين اننا في حاجة إلى تعليم في الوطن العربي، ولكني أعتقد، وبصدق، اننا في أمس الحاجة إلى عيادات نفسية! نريد طبيبا نفسيا يذكّرنا بأن طفولتنا فقدت براءتها مبكراً، وأن لعبة الحرب لا تكرس سوى العدوانية، وأن دمية المسدس رمز لاغتصاب الحياة، وأن دخان البنادق يعكر سَكينة الطيور! نريد طبيبا نفسيا يذكّرنا بأن القصص التي تنتهي بضرب العنق لا تنم إلا عن وحشية واستهتار بحقوق الإنسان، وأن الدفاع عن الوطن يعني في أحيان كثيرة القتل من أجل الوطن! نريد طبيباً نفسياً يقول لنا إن الحرب شر مطلق، وإن إزهاق روح المسلم لا يختلف عن إزهاق روح المسيحي أو اليهودي أو البوذي أو الملحد أو أي روح بشرية!
عندما أشاهد شخصاً تجاوز الثمانين، وهو لا يزال في صحة جيدة، تعتريني رغبة عنيفة في التصفيق، ليس له هو على وجه التحديد، بل لهذه الخلايا الحيوية في جسمه التي استطاعت أن تعمل بانتظام طوال تلك العقود من السنين! حياة الإنسان ثمرة ملايين السنين من تاريخ الطبيعة، ومفهوم الحرب لا يدل إلا عن عدم احترام لهذا التاريخ الطويل!
برتراند رسل.
عندما كنا أطفالاً صغاراً دون سن العاشرة، كانت لعبتنا المفضلة هي لعبة «الحرب»، والدمية المحببة إلى قلوبنا هي دمية «المسدس»، والمسلسل التلفزيوني الذي لا تفوتنا مشاهدته أبداً هو «دخان البنادق»! كنا نجد لذة خاصة في الاستماع إلى أحاديث الكبار، وهي أحاديث مستوحاة في أغلبها من الصحراء، والذي فهمناه من تلك القصص، هو أن ثمن الشجاعة يقدّر بعدد الأرواح البشرية المسلوبة، وأن البطش والسلب والعنف كلها صفات تندرج تحت قائمة الخصال الحميدة! في المدرسة، كانت أغلب قصص التراث تنتهي بعبارة « ... وضرب عنقه»، وفي المسجد كانت كل دعوة على الكفار والمشركين تتضمن أمنية أن «يزلزل الله الأرض من تحت أقدامهم»، من دون استثناء الأطفال أو النساء!
عندما أسترجع ذكريات الماضي، لا تدهشني أحداث الحاضر. لا تدهشني، مثلا، هذه اللامبالاة الغبية بقيمة الإنسان من المحيط إلى الخليج، فمفهوم الإنسانية لا يمكن فهمه واستيعابه، إلا عندما ندين مفهوم الحرب، ونحن لا ندين حربا إلا إذا كنا ضحاياها. عندما بدأت حرب احتلال العراق، خرجت الجماهير العربية إلى الشوارع في مسيرات شعبية ومظاهرات كاسحة، لكن مبدأ الخروج إلى الشارع لم يكن مرتبطاً برفض الحرب كمفهوم لا إنساني، بل لنصرة ضحية تنتمي إلى المربع ذاته. بمعنى آخر، التظاهر لم يكن من أجل العراقي كإنسان، بل من أجل العراقي كعربي مسلم. لماذا لم نشهد حتى هذه اللحظة مظاهرة واحدة فقط ضد حرب لسنا فيها الضحية، أو لا تربطنا مع الضحية رابطة دم أو دين؟ نحن على أهبة الاستعداد لحرق السفارات ورفع الشعارات الغاضبة من أجل رسوم كاريكاتورية، لكننا لا نحرك ساكناً ولا تهتز لنا شعرة عند سماعنا عن مذبحة أفريقية يقدر عدد ضحاياها بمئات الألوف! القتل كجريمة بشعة لا يهمنا، ما يهمنا فقط هو معرفة من المقتول، فإن كان صديقا أقمنا المآتم، وإن كان عدوا أقمنا الأفراح، وإن كان لا هذا و لا ذاك التزمنا الصمت!
يردد كثير من المختصين اننا في حاجة إلى تعليم في الوطن العربي، ولكني أعتقد، وبصدق، اننا في أمس الحاجة إلى عيادات نفسية! نريد طبيبا نفسيا يذكّرنا بأن طفولتنا فقدت براءتها مبكراً، وأن لعبة الحرب لا تكرس سوى العدوانية، وأن دمية المسدس رمز لاغتصاب الحياة، وأن دخان البنادق يعكر سَكينة الطيور! نريد طبيبا نفسيا يذكّرنا بأن القصص التي تنتهي بضرب العنق لا تنم إلا عن وحشية واستهتار بحقوق الإنسان، وأن الدفاع عن الوطن يعني في أحيان كثيرة القتل من أجل الوطن! نريد طبيباً نفسياً يقول لنا إن الحرب شر مطلق، وإن إزهاق روح المسلم لا يختلف عن إزهاق روح المسيحي أو اليهودي أو البوذي أو الملحد أو أي روح بشرية!
عندما أشاهد شخصاً تجاوز الثمانين، وهو لا يزال في صحة جيدة، تعتريني رغبة عنيفة في التصفيق، ليس له هو على وجه التحديد، بل لهذه الخلايا الحيوية في جسمه التي استطاعت أن تعمل بانتظام طوال تلك العقود من السنين! حياة الإنسان ثمرة ملايين السنين من تاريخ الطبيعة، ومفهوم الحرب لا يدل إلا عن عدم احترام لهذا التاريخ الطويل!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق