ليس لدي أدنى اعتراض على فكرة الوقوف المشروع مع أي شخص يستحق المؤازرة، ولكن اعتراضي هو أن تكون صفة القرابة من بين العوامل التي تقرر مشروعية المؤازرة، لذا فإني سأسأل: لماذا تأتي نتائج الدائرتين الرابعة والخامسة منسجمة إلى حد كبير مع الوزن الديموغرافي للقبائل؟!
يتباهى عدد لا بأس به من أبناء الدائرتين الرابعة والخامسة بالمستوى التعليمي الذي وصلوا إليه، خصوصاً أن منهم مَن درس في جامعات أجنبية مرموقة، ولعل وتيرة هذه المباهاة زادت في السنوات الأخيرة من خلال تزايد عدد اللافتات الكبيرة على قارعة الطريق، والتي تبدأ عادة بعبارة 'بمناسبة تخرج فلان الفلاني من الجامعة الفلانية، ندعوكم...'! لا أريد أن أقحم رأيي الشخصي حول تفاهة الفكرة المتمثلة في استثمار شهادة التخرج لتسويق الذات واستجداء القبول الاجتماعي، ولكن ما يهمني هو أن هذه المباهاة بالعلم والمعرفة لا تدل على شيء ذي قيمة حقيقية على أرض الواقع، ولكي أثبت للقارئ صحة هذا الرأي، يكفي أن أطرح سؤالاً بسيطاً على النحو التالي: ما السبب في سهولة التنبؤ بنتائج الانتخابات في الدائرتين الرابعة والخامسة؟!
العلم ليس شهادة نعلقها على الحائط، بل أداة تسمح للفرد باكتساب رؤية خاصة للعالم من حوله، إنه وسيلة لاختبار كل القيم التي اكتسبها الفرد لمجرد أن اسمه الأخير ينتمي إلى شريحة معينة من البشر! على سبيل المثال، هناك قيمة عشائرية تفيد بوجوب الانتصار لابن العم مهما كانت الأسباب. أستطيع أن أتفهم تمسك كبار السن بهذه القيمة وحرصهم على استمرارها، ولكن كيف لشاب يقضي نصف عمره في الدراسة والتعلم ثم يتخلى عن أبسط بديهيات التفكير الموضوعي لينتصر لابن العم! قد يعترض القارئ ليقول: 'ماذا لو كان ابن العم شخصا يستحق المساعدة والمؤازرة؟' ليس لدي أدنى اعتراض على فكرة الوقوف المشروع مع أي شخص يستحق المؤازرة، ولكن اعتراضي هو أن تكون صفة القرابة من بين العوامل التي تقرر مشروعية المؤازرة، لذا فإني سأطرح السؤال السابق من جديد ولكن بصيغة مغايرة: لماذا تأتي نتائج الدائرتين الرابعة والخامسة منسجمة إلى حد كبير مع الوزن الديموغرافي للقبائل؟!
ربما يعترض القارئ من جديد ليقول: 'مهما كانت نسبة المتعلمين من أبناء هاتين الدائرتين، فإن عددهم لا يبلغ من الضخامة بحيث يستطيع التأثير في نتيجة الانتخابات'! هذا الاعتراض يحتوي على إشارة ضمنية تفيد بأن المتعلمين من أبناء هاتين الدائرتين لم يدلوا بأصواتهم على أساس الانتماء القبلي، وبالرغم من صعوبة تصديق مثل هذا القول، فإني سأفترض جدلاً أنه قول صحيح، لكن في المقابل، إذا كان هؤلاء الأشخاص المتعلمون ضد فكرة التصويت على أساس هوية القبيلة، فلماذا لا نسمع لهم صوت احتجاج على اختطاف القبيلة لإرادة الفرد وحريته في الاختيار؟ لماذا، مثلا، لا نراهم يعيدون صياغة الأسئلة السابقة على النحو التالي: ما السبب في تقاسم قبيلتي 'مطير' و'الرشايدة' لأغلب أصوات الدائرة الرابعة؟ من الواضح أن السبب الجوهري يكمن في الأعداد الكبيرة للناخبين ممن ينتمون لهاتين القبيلتين، مما يعني أن إحدى الطرق في التأثير على نتائج هذه الدائرة وعدم اقتصارها على هاتين القبيلتين مرهون (من بين عوامل أخرى) بمدى قدرة القبائل الأخرى على التناسل لتعويض الفارق في الأصوات الانتخابية! هذه ليست سخرية ولا تهكما، بل نتيجة طبيعية للحالة التي تكون فيها عملية التصويت معتمدة بشكل أساسي على تطابق الاسم الأخير للمرشح مع الاسم الأخير للناخب!
أليس من المخجل أن نقضي نصف حياتنا في الدراسة والتعلم ثم نخضع إرادتنا الانتخابية لمدى قدرتنا على التكاثر؟
الجمعة، 31 يوليو 2009
إرادة الناخب ومعدل التكاثر
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق