أليس صحيحاً أن بعض النواب مدينون للاستقطاب الطائفي في وصولهم إلى البرلمان؟ هذه ليست تهمة، بل حقيقة يصعب تجاهلها، وهناك اختبار بسيط للتحقق من صحتها بأن يحاول هؤلاء النواب، مثلاً، خوض الانتخابات في دوائر انتخابية أخرى!
في الأيام القليلة الماضية، كان منهج التربية الإسلامية موضوعاً ساخناً على الساحة السياسية في الكويت، ويبدو أن النزاع مازال على أشده بين فريقين، فمن جهة هناك من يطالب بالإبقاء على المنهج من دون حذف أو تعديل، ومن جهة أخرى هناك من يطالب بحذف بعض النصوص التي لا تدعو إلى التسامح واحترام الآخر. مشكلة هذا النزاع تكمن في حقيقة أنه نزاع عقيم ومن دون فائدة، والسبب في ذلك بسيط ومباشر: سيبقى التعصب الديني قائماً بصرف النظر عن هوية من ستكون له اليد الطولى في تحديد منهج التربية الإسلامية، لأن طريقة معالجة المشكلة لا تمس منها سوى القشور، لا الجذور!
إن من السذاجة الاعتقاد بأن تغيير منهج دراسي سيدفع الطلاب إلى التسامح واحترام المذاهب المغايرة، فلو لم يسمع الطلاب عبارات التكفير في المدراس، فإنهم حتماً سيسمعونها في المساجد والحسينيات وحتى في الجلسات الأسرية المغلقة، ذلك أن جذور التعصب الديني تمتد إلى خارج أسوار المدرسة، كما أن التعصب الطائفي يبلغ من العمر أكثر من 1400 سنة، و لم يكن له أن يبقى حيّا كل هذه القرون من الزمن لولا حرص كلا الطرفين على أن 'تبقى حزازات النفس كما هي'!
هناك مظاهر عديدة لهذا الحرص المشترك بين الطرفين على إبقاء الصراع الطائفي حيّاً، أبسطها نجده في نوعية اختيار أسماء المواليد الجدد، ومن السهل ملاحظة تنامي الإصرار عند الطرف السني على اختيار أسماء مثل 'عمر' أو 'عثمان' لمجرد استفزاز الطرف الشيعي، بينما يتحاشى هذا الأخير اختيار هذا النوع من الأسماء وكأنها 'تابو'! هنا أستذكر التصريح الذي أدلى به النائب الفاضل حسن جوهر لـ'الجريدة'، مؤكداً أن 'مناهجنا كان عليها لغط كبير، وهي لا تدعو إلى التسامح واحترام المعتقدات والمذاهب الإسلامية الأخرى، وتحوي أموراً غير مقبولة لدى بعض الشرائح في المجتمع'. لا غبار على تصريح النائب الفاضل، لكن إذا فشل الطرفان في التسامح حتى على مستوى اختيار أسماء أطفالهم، فكيف نتوقع منهما التسامح في أمور أكثر تعقيداً؟ كيف يشيع التسامح بين الطلاب بينما تفضح أسماؤهم مدى تعصّب آبائهم؟ ثم هل هي مصادفة، مثلاً، أن يكون 'حسن' هو الاسم الأول للنائب الفاضل، أو أن تكون كنيته هي 'أبو مهدي'؟
من جانب آخر، أليس صحيحاً أن بعض النواب، ومنهم النائب جوهر، مدينون لهذا الاستقطاب الطائفي في وصولهم إلى البرلمان؟ هذه ليست تهمة، بل حقيقة يصعب تجاهلها، وهناك اختبار بسيط للتحقق من صحتها: ليحاول هؤلاء النواب، مثلا، خوض الانتخابات في دوائر انتخابية أخرى، ولو فعلوا لاكتشفوا إلى أي مدى هم مدينون للتعصب الطائفي في تحقيق طموحاتهم السياسية، ولعل وصول النائب الفاضل فيصل الدويسان إلى البرلمان يكشف عن أحدث الطرق في استخدام التجاذب الطائفي واستثماره بشكل براغماتي! لاحظ أن الشعارات الانتخابية التي تدعو إلى روح المودة والإخاء بين المذاهب الإسلامية تندرج أيضا تحت بند استثمار التجاذب الطائفي!
في السياق نفسه، طالب النائب حسن جوهر بأن 'يتم تدريس الثقافة الإسلامية العامة دون الخوض في التفاصيل والخلافات المذهبية'. يبدو أن النائب الفاضل تناسى أنه أكاديمي قبل أن يكون سياسياً، إذ كان من الأجدر به أن يقدّم حلّا يستأصل بواسطته جذور المشكلة، بدلا من الاكتفاء برفع الأذى عن الشريحة الانتخابية التي يمثلها!
في المقال القادم، سأحاول أن أبيِّن أين تكمن جذور التعصب الديني في مناهجنا الدراسية، وأن أدلل أيضاً على أن وجود مثل هذا التعصب ليس سوى نتيجة منطقية لنظام تعليمي قائم على أسس متناقضة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق