هي حديقة من دون مزارع يعتني بها، تخضرّ حينا، وتصفرّ أحيانا كثيرة، ولكنها استطاعت على مر السنين أن تحتفظ بهويتها كحديقة! إلى جانب بعض الأشجار والأعشاب المتناثرة هنا وهناك، تقطن الحديقة مستعمرتان من النمل، مستعمرة في شرق الحديقة، ومستعمرة في غربها· العلاقة بين النمل الشرقي والنمل الغربي ظلت متذبذبة لسنوات عديدة، وأغلب ما يميز هذه العلاقة هو هذا التنافس الشرس للحصول على خيرات الحديقة، ولكن ميزان القوة بدأ يميل شيئا فشيئا لصالح المستعمرة الغربية، والسبب في ذلك يعود إلى تغير طاريء في طريقة تفكير النمل الغربي تجاه الحديقة ومحاولة فهمها!
ما سر الحديقة؟ هل هناك مزارع يرعاها؟ لماذا تتقلب الحديقة بين الاخضرار والاصفرار، وهل هناك قوانين تتحكم بشكل الحديقة، أم أن مصير الحديقة مرهون بإرادة مزارع مجهول، يصرّف أمورها كيفما شاء؟ هذه بعض الأسئلة التي أقلقت النمل الغربي، الذي وجد نفسه أمام احتمالين: إذا كان للحديقة مزارع، فمن العبث محاولة فهم القوانين التي تنظم الحديقة، ومن غير المجدي دراسة نظام يعتمد على مزاجية مزارع! لكن ماذا لو لم يكن هناك مزارع؟ في هذه الحالة تصبح عملية فهم القوانين المنظمة للحديقة منطقية، وكلما فهمنا هذه القوانين، زادت فرصة استثمارها لصالحنا! على هذا النحو راح يفكر النمل الغربي، ومنذ هذه اللحظة الحاسمة بدأ ميزان القوة يميل إلى جهة الغرب!
في الوقت الذي سادت فيه ثورة في التفكير في الجهة الغربية من الحديقة، ظل النمل الشرقي متمسكا بالطريقة البدائية في التفكير، فاخضرار الحديقة يعود إلى رضا المزارع وكرمه، واصفرارها يرجع إلى عضب المزارع وسخطه! هذا النمط من التفكير قاد النمل الشرقي إلى معرفة متى يغضب المزارع ومتى يرضى، وكيف السبيل إلى اجتناب غضبه والظفر برضوانه! كنيتجة حتمية، نشأت طقوس متعددة في مستعمرة النمل الشرقي، وكلما ازداد الحرص على التمسك بهذه الطقوس، ابتعد النمل الشرقي عن فهم "سر الحديقة"!
المحصلة النهائية هي أن النمل الغربي نجح تدريجيا في اكتشاف سر الحديقة، واستطاع التنبؤ بدقة متناهية بموسم ازدهار الحديقة وموسم اندثارها، بل لقد تمكن أيضا من إخضاع الحديقة لاحتياجاته من الطعام، ثم راح يبيع المخزون الفائض عن الحاجة لمستعمرة النمل الشرقي! رغم كل ذلك، مازال النمل الشرقي يكابر بكل حماقة، ويعاند بكل سذاجة، رافضا تفسير النمل الغربي لسر الحديقة، ومتمسكا بطقوس أكل الدهر عليها وشرب!
سر الحديقة يكمن في داخلها، هكذا يعتقد النمل الغربي، أما النمل الشرقي فكان ولا يزال يؤمن بأن هذا السر يقبع في مكان ما خارج أسوار الحديقة! هذا هو السبب الرئيس في تفوق النمل الغربي على نظيره الشرقي!
الاثنين، 3 أغسطس 2009
سر الحديقة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق