تباينت ردود الفعل حول زيارة 26 مواطناً لسمو الأمير، فهناك مَن يرى أن الزيارة لم تكن مشروعة لأنها تضعف من سلطة البرلمان، وهناك في المقابل من يرى في تلك الزيارة أمراً طبيعياً ومنسجماً مع آليات النظام الديمقراطي. سأحاول من خلال هذا المقال أن أدلل على الحقيقة التالية، وهي أن مجموعة الـ26 حملت الرسالة الخطأ إلى العنوان الصحيح.
لو تواضعنا قليلاً واعترفنا بمحدودية نظامنا الديمقراطي، فسنرى بوضوح أن الثقل الحقيقي للسلطة السياسية في الكويت كان ولايزال في يد الأسرة الحاكمة، وقد جاء الدستور ليكرّس هذه الحقيقة من خلال العديد من المواد، ولعل أبسط مؤشر على هذه الحقيقة هو وجود حالة من عدم التكافؤ بين مصدري السلطة التشريعية، فالتشريعات التي تصدر عن البرلمان محدودة زمنياً وتحتاج إلى أغلبية برلمانية لتمريرها قبل أن تحظى بمصادقة سمو الأمير، بينما التشريعات التي تصدر عن القصر غير محدودة زمنياً ولا تحتاج إلّا إلى أقلية برلمانية منتخبة لتمريرها. هنا تحديداً تكمن محدودية نظامنا الديمقراطي، ذلك أن فرصة تمرير التشريعات الأكثر ديمقراطية أضعف بكثير من فرصة تمرير التشريعات الأقل ديمقراطية.
لعل أحدث مثال على هذه الحقيقة هو ما نقلته مجموعة الـ26 من تصريحات على لسان سمو الأمير بعد الزيارة مباشرة، وهي تصريحات أفادت بعدم المصادقة الأميرية على أي تشريع برلماني حول موضوع القروض، والتأكيد أيضاً على تمرير المشاريع التنموية الكبرى. هذه التصريحات تأتي منسجمة مع حجم السلطة السياسية التي أتاحها الدستور لرئيس الدولة (حسب التعبير الوارد في المادة 54)، فموضوع القروض يمكن رفضه بسهولة من خلال الامتناع عن توفير المصادقة الأميرية، بينما موضوع المشروعات الكبرى لا يمكن إيقافه إلا من خلال أكثر من 25 صوتاً نيابياً تحت قبة البرلمان.
إذا كان هذا هو واقع الحال، فإن مجموعة الـ26 لم تخطئ العنوان، فهي أرادت حلّا جذرياً لمشكلة تتعلق بالشأن العام، وإيجاد حل جذري لأي مشكلة من هذا النوع يستدعي اللجوء إلى السلطة الحقيقية في البلاد (ربما يعترض القارئ على كلامي هذا من خلال التذكير بما تقوله المادة 6 من الدستور، ولكني أطلب من القارئ أن يكمل قراءة هذه المادة إلى نهايتها!).
على ضوء ما تقدم، يمكن تفنيد الحجج التي لجأ إليها كلا الطرفين في تأييد الزيارة أو معارضتها، فالنوّاب الذين اعترضوا على الزيارة بحجة أنها تضعف من سلطة البرلمان لم يقرؤوا مواد الدستور جيداً، ولو فعلوا لعلموا أن إضعاف سلطة البرلمان مستمد من نصوص الدستور نفسه! أما بعض الكتّاب ورؤساء الصحف ممن أيدوا الزيارة، فقد لجؤوا إلى حجج واهية لتبرير مثل هذه الزيارة. أحدهم، مثلا، كتب يقول إن زيارة مواطنين كويتيين لقصر سلوى لا تختلف عن زيارة مواطنين بريطانيين لمنزل رقم 10 في شارع 'داونينغ ستريت'، وهذه حجة تتضمن استخفافاً كبيراً بعقول القرّاء، فهي تفترض أن القرّاء جاهلين بحقيقة أن شروط الإقامة في منزل رقم 10 في شارع 'داونينغ ستريت' مرهونة بإرادة زوّاره من المواطنين! كاتب آخر يقول إن الزيارة تمت في مكان الإقامة الشخصية لسمو الأمير وليس في قصر الحكم، وهذه حجة تخلط بين مكان الزيارة وموضوعها، فأساس الاحتجاج على الزيارة هو أن المجموعة جاءت لتناقش أمراً يتعلق بالشأن العام، وأما مكان الزيارة فلا يلغي هذه الحقيقة!
مجموعة الـ26 لم تخطئ العنوان، لكنها حملت الرسالة الخطأ، وقد عبّر الأستاذ أحمد الديين عن هذه الحقيقة بشكل دقيق، حيث يقول:
'لابد من القول إنّ الموقف الوطني المسؤول تجاه قضية مستقبل الثروة الوطنية ومسؤولية الحفاظ عليها، يفترض أن يكون متوازناً وألا يتركز فقط ضد ما يسمى المشروعات 'الشعبوية'، وقضية 'شراء فوائد قروض المواطنين'، مثلما هو الاهتمام الأبرز عند هذه المجموعة، وإنما كان يفترض أن يبرز أيضاً في الموقف تجاه مشروعات تنفيع بعض الكبار والمتنفذين، والمحاولات المتكررة للالتفاف على قانون المناقصات العامة، وما كان يحدث من محاولات للاستيلاء على أملاك الدولة تحت مسمى «المبادرات»، وكذلك الموقف تجاه بعض القوانين والإجراءات، التي لم تراع حرمة المال العام وتجاهلت اعتبارات العدالة الاجتماعية مثل القانون الملياري لشراء المديونيات الصعبة الصادر في أوائل التسعينيات!'
هذه النقطة التي أثارها 'الديين' يتبناها الكثير من معارضي الزيارة، ومن المؤسف أن البيان الذي صدر عن مجموعة الـ26 لم يتضمن تطمينات واضحة بهذا الخصوص، كما أن التصريحات التي نقلتها المجموعة عن سمو الأمير تصب في خانة التأكيد على أن ما يسمى 'المشروعات الشعبوية' هي جوهر الموضوع، وقد عبّر أحد أعضاء المجموعة بشكل صريح عن القصد من الزيارة بقوله إن موضوع قروض المواطنين فيه هدر للمال العام!
ليس لدي شك في أن إسقاط القروض فيه هدر للمال العام، ولكن ينبغي الاعتراف أيضاً بأن هناك أشكالاً متعددة لهدر المال العام وتبديد الثروة. ليس لدي شك أيضا في حقيقة استغلال بعض النواب موضوع القروض لأغراض انتخابية، ولكن السؤال الذي ينبغي أن يُطرح هو: لماذا أضحت مسألة القروض فريسة سهلة للتكسّب الانتخابي؟ عندما تتراكم الثروة في أيدي حفنة قليلة من أبناء الوطن، فإن شعار 'العدالة الاجتماعية' يتحوّل تلقائياً إلى شعار جذّاب، بل له أيضا ما يبرّره!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق