إذا صرفنا النظر عن التفاصيل التافهة للمواجهات الأخيرة بين البرلمان والحكومة، فإن من العدل القول إن هناك مؤشرات إيجابية على وجود حراك سياسي غير مسبوق في تاريخ الكويت، بدءاً من وجود حملة شعبية تطالب برحيل رئيس الحكومة، مروراً بصعود الرئيس إلى منصة الاستجواب، وانتهاءً بتقديم مجموعة من أعضاء البرلمان لكتاب 'عدم التعاون' مع رئيس مجلس الوزراء.
الاستفادة المثلى من هذا الحراك السياسي تتطلب جهداً شعبياً إضافياً في اتجاه تفعيل المادة (175) من الدستور لاستكمال الممارسة الديمقراطية، وهذا يعني تعديلاً للدستور في اتجاه توسيع سلطة البرلمان وتقليص سلطة الحكومة، والمطالبة الجادة برئيس وزراء شعبي غير محصن اجتماعياً من المساءلة السياسية العلنية، وإعادة النظر في المادة (102) من الدستور لما تتضمنه من إجحاف في حق الشعب وممثليه، فهي تطرح خياراً مفتوحاً لمعاقبة أعضاء البرلمان من خلال حل المجلس في حال قرر أعضاء البرلمان عدم التعاون مع رئيس الوزراء!
على ضوء ما تقدم، لا يمكنني فهم التصريحات الأخيرة للنائب الفاضل علي الراشد إلا بوصفها مجرد مناورة لتفويت الفرصة في استكمال الممارسة الديمقراطية، فالنائب المحترم يسير في الاتجاه المضاد بشكل واضح، وهو يكرر محاولات قديمة لتقليص سلطة الشعب وتوسيع سلطة القصر، ومن ضمن تلك المحاولات ما ذكره الأستاذ 'عبدالله بشارة' في إحدى الصحف المحلية قبل بضع سنوات، حيث قال إن 'الدستور وفّر للنظام الشرعية التاريخية لكن لم يوفر له الأغلبية التي تسانده في الحكم'، فحسب رأيه مأزق الحكم يكمن في أن الحكومة لا تمتلك الأغلبية البرلمانية التي تؤمّن لها حق التشريع!
قد نلتمس العذر للأستاذ 'عبدالله بشارة' لأسباب عديدة، لكن ما عذر النائب المحترم علي الراشد في ترديد مثل هذه المغالطات؟ إذا أرادت الحكومة أن تكون لها أغلبية برلمانية فعليها أولا أن تسلك الطريق الذي سلكه أعضاء البرلمان للوصول إلى البرلمان! بمعنى آخر أكثر وضوحا، إذا أرادت الحكومة أن تتمتع بأغلبية نيابية، فعليها أولا أن تقبل بشرط اختيارها من قبل الشعب مثلما هي الحال مع أعضاء البرلمان. ثم ما حاجة الحكومة إلى أغلبية برلمانية، وهي التي دأبت على تمرير مشاريعها من خلال أقلية برلمانية منتخبة لا تتجاوز السبعة عشر عضواً؟! لكن يبدو أن هذا لا يكفي في نظر السيد علي الراشد، فهو يرغب في مضاعفة تراكم السلطة السياسية لدى الحكومة عن طريق مطالبته السماح بتصويت الوزراء على موضوع طرح الثقة بأحد الوزراء أو موضوع عدم التعاون مع رئيس الوزراء!
أرجو ألا نساهم في إنجاح مناورة علي الراشد عن طريق الرفض المطلق لتعديل الدستور، فالدستور نفسه ينفي عن نفسه صفة الكمال المطلق والقدسية الزائفة، ويتيح لنا تطويره مع توصية حكيمة تضمنتها المادة (175)، واليوم هناك حراك سياسي-اجتماعي يدفع في اتجاه هذا النوع من التعديل. إذا اختار النائب الفاضل علي الراشد وغيره من النواب السير في اتجاه تقليص الممارسة الديمقراطية، فعلينا أن نسير في الاتجاه المعاكس الذي يهدف إلى توسيع هذه الممارسة، لا أن نستمر في التخندق التقليدي للدفاع عن الدستور الحالي وتعطيل مقومات التطور السياسي في هذا البلد!
الاثنين، 14 ديسمبر 2009
هل تنجح مناورة علي الراشد؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق