معارضة الأمس كانت معارضة الفئة الواحدة، وهي فئة مكونة من طبقة برجوازية على قدر عال من الحس الجماعي بطبيعة مصالحها التجارية وسبل تحقيقها، كما امتازت أيضاً بالقدرة على التنظيم وانتهاز الفرص في المشاركة في صنع القرار السياسي، بدءاً من الاستفادة من دورها في اختيار وريث الإمارة لتأسيس مجلس للشورى في عام 1921، مروراً باستغلال نفوذها الاقتصادي في التفاوض مع الأسرة الحاكمة على مسوّدة دستور 1939، وانتهاء بقبولها القسري للحد الأدنى من الديمقراطية والمتمثل في دستور 1962.
لقد حرصت معارضة الأمس على تأسيس البنية التحتية اللازمة لقيام مجتمع رأسمالي، وذلك من خلال سن التشريعات المتعلقة بتنظيم شؤون الميزانية والقضاء والأمن، وبناء الطرق والمدارس والمستشفيات، ثم عملت بعد ذلك على تنظيم القوانين المرتبطة بالاحتكارات التجارية، وقد نجحت إلى حد كبير في تحقيق مصالح الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها، وساهم في هذا النجاح سيطرتها الكاملة على قوى الإنتاج، مما أكسبها قدرة فائقة على التفاوض مع الأسرة الحاكمة حول المشاركة في صنع القرار السياسي.
بعد ظهور النفط وبداية تدفق الإيرادات النفطية، فقدت الطبقة التجارية الكثير من قدرتها التفاوضية مع الأسرة الحاكمة حول شؤون الحكم، فالأدوار تبدّلت بعد أن 'أصبح التجّار مجرد زبائن عند الدولة'، على حد تعبير الدكتور غانم النجّار في مقابلة أجرتها معه الباحثة 'ميري آن تترولت' (انظر بحثها الذي حمل عنوان Autonomy, Necessity, and the Small State، صفحة 578)، ومن مظاهر ضعف القدرة التفاوضية عند الطبقة التجارية تقلّص سقف المطالبة بمشاركة الأسرة الحاكمة في اتخاذ القرار السياسي، ويكفي عقد مقارنة بسيطة بين مسودة دستور 1939 ودستور 1962 للتعرف على حجم التراجع في سقف المطالب السياسية لمعارضة الأمس!
من هنا فإن القول بأن معارضة اليوم ليست سوى امتداد لمعارضة الأمس يفترض وجود تطابق بين مصالح شريحتين اجتماعيتين، إحداها تعتمد على الدولة في الحصول على راتبها الشهري، والآخرى تعتمد على الدولة في الحصول على أكبر عدد ممكن من المناقصات والعقود التجارية، وهو افتراض ينافي الواقع، بل إن ما يجمع هاتين الشريحتين الاجتماعيتين يقتصر تحديداً على هذا الاعتماد السلبي على الدولة، وقد نجحت الأسرة الحاكمة في استغلال موارد النفط في ضم شرائح المجتمع كافة تحت عباءة إرادتها السياسية!
تبقى هناك أسئلة قد نتطرق إليها في مقالات لاحقة، منها على سبيل المثال: هل من الضروري أن تقف معارضة اليوم عند الحد الأدنى من الديمقراطية، خصوصا أنها غير معنية بضعف القدرة التفاوضية لمعارضة الأمس؟ أليس من الحكمة أن تبدأ المعارضة الحالية في تبنّي هدف استراتيجي يتمثل في زيادة سقف المشاركة في القرار السياسي، ثم تعمد بعد ذلك إلى تحقيق هذا الهدف من خلال المطالبة بقوانين تنظم العمل السياسي؟ والأهم من ذلك كله، هل تنجح المعارضة الحالية في توحيد صفوفها من خلال إدراك طبيعة الصراع الطبقي الكامن خلف معظم الخلافات السياسية، أم أنها ستستمر في الانشغال في توافه الأمور؟!