بعد أن قال الشعب كلمته، جاء دور مجلس الأمة كي يقول كلمته، ذلك أن أمام أعضاءالبرلمان مسؤوليات جساماً لا مناص من مواجهتها، لعل من أهمها تحويل شعار “محاربةالفساد” إلى أجندة محددة وقابلة للتطبيق، وأول خطوة جادة على هذا الطريق هي إعادةالنظر في مؤسسات الدولة لتقييم مدى نجاحها في أداء وظائفها المختلفة.هناك- علىسبيل المثال لا الحصر- حاجة ماسة إلى ضمان استقلال القضاء، وتفعيل دور ديوانالمحاسبة، وتعزيز الجانب الإنساني لدى أفراد قوات الشرطة، فقد تحتاج هذه وغيرها منالمسائل الشائكة إلى تشريعات جديدة، بل قد يقتضي الأمر إعادة النظر في بعض أحكامالدستور نفسه، لكن الأمر المؤكد هو أن قدرة مجلس الأمة على إصلاح مؤسسات الدولةمرهون بقدرته على إصلاح نفسه، فهيبة المجلس نالها الكثير من الضربات المتلاحقة فيالسنوات الأخيرة، ولم يعد مقبولا تذكية الصراع النيابي-النيابي على حساب الصراعالنيابي-الحكومي. إن مجلس الأمة يحمل على عاتقه مشروع بناء دولة مدنية متقدمة، لامشروع حرب أهلية متخلفة!إلى جانب إعادة النظر في مؤسسات الدولة، ينبغي لأعضاءالمجلس ممن يمثلون الطبقة الوسطى أن يحرصوا على تأكيد مبدأ العدالة الاجتماعيةوالتوزيع العادل للثروة، فهذا الحرص له ما يبرره في ظل التوصيات التي تضمنها تقريراللجنة الاستشارية الاقتصادية، وستثبت الشهور القادمة أن معركة الخصخصة لم تضعأوزارها بعد كما قد يظن البعض!لا يخفى على أحد أن عدداً غير قليل من أعضاءالمجلس مدين في وصوله إلى كرسي البرلمان للحراك الشعبي العارم الذي شهدته الكويت فيالآونة الأخيرة، وهذه الحقيقة تضع كثيراً من نوّاب الأمة أمام مسؤوليتهم التاريخيةفي تعزيز قوة هذا الحراك الشعبي من خلال سن التشريعات الكفيلة بضمان حق التظاهرالسلمي، ليس للمواطنين فقط، بل لغير محددي الجنسية وللوافدين كذلك، فلغة العنف لمتعد مقبولة لدى المواطن العربي بعد أن حلّ خريف الدكتاتوريات العربية، وأسلوب العنفلا يستقيم مع حلم بناء مجتمع مدني منفتح ومتسامح.أخيرا، إن الشعب القادر علىالإطاحة بحكومة لهو قادر أيضا على تشكيل حكومة، وهذا بالضبط ما ينبغي أن يحرص علىتحقيقه كل عضو جاء إلى المجلس عن طريق ساحة الإرادة، فلم يخرج الناس إلى الشوارعلتنفيذ أجندات ضيقة لأحزاب سياسية معينة، وبالرغم من مشاركة أحزاب إسلامية فيالحراك الشعبي، لم تكن الشعارات الإسلامية هي الطاغية، لذا فإن الدعوات التي نسمعهاالآن حول الانقضاض على المادة الثانية من الدستور ليست سوى انقلاب على أهداف الحراكالشعبي وتشتيت لقوته ونسف لمقوماته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق