بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية، اتخذت أهم التيارات السياسية قراراً بعدم المشاركة في الحكومة الجديدة، وهو بلا شك قرار صائب له مبرراته المنطقية، كما يشير أيضاً إلى قراءة صحيحة للظروف الموضوعية التي حددت ملامح الانتخابات الأخيرة، خصوصاً تلك المتعلقة بالحراك الشعبي الذي هو جزء لا يتجزأ من حراك شعوب المنطقة العربية.هناك فرق كبير بين خيار المشاركة في الحكومة وخيار تشكيلها. الخيار الأول متاح منذ مدة طويلة، لكنه لم يعد يعبر عن التطلعات الشعبية المشروعة في المرحلة الحالية، بينما الخيار الثاني غير متاح في الوقت الراهن، لكنه بات استحقاقاً سياسياً تفرضه الظروف الموضوعية للتطور السياسي في الكويت. إن قبول التيارات السياسية المعارضة بالحد الأدنى من المشاركة في السلطة التنفيذية لا ينسجم مع نتائج الانتخابات الأخيرة فحسب، بل إنه يقف حائلاً دون الانتقال التدريجي المشروع إلى النظام البرلماني الديمقراطي.قبل أيام، شنّت إحدى الصحف المحلية هجوماً على قرار بعض التيارات السياسية الامتناع عن المشاركة في الحكومة الجديدة، واصفة ذلك القرار بالقرار السلبي، ومتهمة تلك التيارات بـ”تضييع فرصة الإنقاذ” الوطني، بل إن الصحيفة ذاتها ذهبت إلى حد القول “إن جابر المبارك يكون انتحارياً إذا شكل حكومة في هذه الأجواء”، والسبب في ذلك حسب زعم الصحيفة هو أن الحكومة في هذه الحالة ستكون “مكشوفة”!إذا صرفنا النظر عن هذا التهويل غير المبرر من قِبل الصحيفة، فإن مثل هذا الرأي يتضمن مغالطة من جانب، وقصر نظر سياسي من جانب آخر، أما المغالطة فتتمثل بافتراض أن تعاون التيارات السياسية مع الحكومة الجديدة غير ممكن من دون المشاركة فيها، ولعل هذا الافتراض المغلوط بدوره يشير إلى سوء نية في جدية الممتنعين عن المشاركة في تحقيق الإصلاح السياسي، وأما قصر النظر السياسي فيتمثل بعدم إدراك أهمية رفض الكتل النيابية الرئيسة المشاركة في التشكيل الحكومي الجديد، خصوصاً في الوقت الراهن، ففي ظل وجود مبدأ التضامن الوزاري داخل المجلس، ستؤدي المشاركة في الحكومة إلى تصدع الكتل النيابية وبالتالي فقدان الكثير من شعبيتها، وفي ظل النهج التقليدي لمؤسسة الحكم في الاستئثار بمقعد رئاسة الوزراء بالإضافة أيضاً إلى وزارات السيادة، فإن مشاركة التيارات السياسية في الحكومة الجديدة ليست سوى مباركة ضمنية لمثل هذا النهج غير الديمقراطي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق