هذا المقال هو الجزء الأول من محاضرة بعنوان “التفكير العلمي والمجتمع المدني”، ألقيتها في جمعية الخريجين الكويتية في الخامس والعشرين من شهر مارس الماضي ضمن فعاليات “ملتقى النهضة”:
أود في البداية أن أشير إلى نقطتين لهما علاقة بـ”ملتقى النهضة” وما صاحبه من صخب واحتجاج: أولاً، من العسير جداً أن تعد محاضرة وفي ذهنك جمهور معين، ثم تنتهي إلى إلقائها على جمهور مختلف تماماً! هذا ليس تذمراً، بل مجرد تحذير من حقيقة أن محتوى هذه المحاضرة قد يكون رتيباً بعض الشيء، لذا فإني أُخلي مسؤوليتي عن ذلك، كما أذكر في الوقت نفسه أن محتوى المحاضرة ينبغي ألا يكون موضوعاً للمهاترات السياسية، فهو لم يُكتب لهذا الغرض، وأؤكد أيضاً أني لم أغير شيئاً في محاضرتي، وستكون كما قُدر لها أن تكون.
ثانياً، من الحكمة إحسان الظن بمن هاجموا “ملتقى النهضة”، على الأقل في البعض منهم، فقد ينطوي هذا الهجوم على خوفٍ حقيقي وصادقٍ على تماسك هذا المجتمع الذي نعيش فيه، والخوف لا يجابه بالانفعال والنبرة الحادة، بل بالحوار وطول النفس، ذلك أن الخوف مثل عنصر الفكاهة في أي مزحة، إذا قمت بتحليله بهدوء وبرودة أعصاب، تلاشى من تلقاء نفسه.
لكن إحسان الظن لا يعفينا من طرح سؤال بدهي: لماذا كل هذا الهجوم على ملتقى يدور موضوعه الرئيسي حول مفهوم “المجتمع المدني”؟ المجتمع المدني يشير إلى مفهوم إيجابي، وسنرى لاحقاً من خلال هذه المحاضرة أنه يشير إلى مجتمع حر ومتسامح، فهل نفهم من هذا الهجوم أنه هجوم على الحرية والتسامح؟ إحدى الحجج التي سمعتها ضد الملتقى هي تلك التي تشير إلى الخوف من عملية “غسيل مخ منظمة” للشباب المشاركين في الملتقى! سأصرف النظر عما تتضمنه هذه التهمة من احتقار لعقول الشباب وعدم ثقة بقدرتهم على التفكير، لكني أتساءل: هل الاعتراض هو اعتراض مبدئي على عملية “غسيل المخ”، أم أنه اعتراض على الجهة التي تقوم بعملية “الغسيل”؟ من الواضح أن هناك من يرى أن ما يحق له لا يحق لغيره، وليس أدل على ذلك من مفارقة غفل عنها الكثيرون مع الأسف، ففي مكان قريب جدا من المكان الذي كان مقررا له استضافة فعاليات “ملتقى النهضة”، وفي التوقيت نفسه أيضاً، كانت هناك ندوة عامة التقى من خلالها مشايخ دين مع مرتادي الأسواق التجارية، وكان من بينهم أطفال صغار، ولم نسمع من يحتج على إقامة مثل تلك الندوات التي هي إلى “الأدلجة” والتلقين أقرب منها من أي شيء آخر.
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق