مفهوم “التفكير العلمي” ينتمي إلى ميدان فلسفة العلم، ومفهوم “المجتمع المدني” ينتمي إلى ميدان الفلسفة السياسية، وبالرغم من وجود تعريفات كثيرة ومتعددة لكلا المفهومين، سأحاول أن أقدم تعريفاً مبدئياً لكل منهما، وهذا كل ما نحتاجه كمقدمة للموضوع الذي نحن في صدده.
التفكير العلمي الذي أعنيه هو- ببساطة- نوع من التفكير موضوعه العلم. هذا التعريف رديء بلا شك، ذلك أنه تعريف دائري، فالجملة التعريفية احتوت على ما يراد تعريفه، لكن بالإمكان تجاوز هذا القصور في تعريف مفهوم “التفكير العلمي” من خلال الإشارة إلى أهم ملامح هذا النوع من التفكير، وهذا ما أعد بإيضاحه لاحقاً.
المجتمع المدني، حسب التعريف الذي وضعه الفيلسوف الألماني جيرغن هابرماس، يشير إلى فضاء عمومي يحتل حيزاً بين مؤسستين اجتماعيتين: مؤسسة الأسرة، ومؤسسة الدولة. يتخذ هذا الفضاء العمومي أشكالاً مختلفة، مثل جمعيات النفع العام والنوادي الثقافية وحتى الديوانيات، بل إن “ملتقى النهضة” ذاته يعتبر شكلاً من أشكال هذا الفضاء العمومي، فأغلب الذين حضروا إلى استماع محاضرات هذا الملتقى لا تجمعهم روابط أسرية، ولم يأتوا بناءً على رغبة الدولة، بل رغماً عن رغبتها، وهذا هو المقصود بتحديد حدود المجتمع المدني في مكان يقع بين مؤسسة الأسرة ومؤسسة الدولة.
ينبغي أن أشير هنا إلى أن المقصود بمفهوم “الدولة” لا يقتصر فقط على السلطة التنفيذية، بل يتعداه إلى السلطة بأشكالها كافة، بما في ذلك سلطة المال، لذا فإن من الضروري أن تقف جمعيات النفع العام هنا في الكويت على مسافة واحدة من جميع أشكال السلطة، وأن تنأى بنفسها عن شبهة التماهي مع مصالح الطبقة التجارية.
بعد أن أوضحنا المقصود بالتفكير العلمي من جهة، والمجتمع المدني من جهة أخرى، نأتي الآن إلى القضية المحورية للموضوع الذي بين أيدينا. لست أقصد بكلمة “قضية” معناها الشائع، أي شأن من شؤون الحياة، كما لا أقصد بها معناها القانوني، إنما أستخدم كلمة “قضية” بمعناها المنطقي، أي جملة خبرية تحتمل الصواب أو الخطأ، والقضية المحورية (أو الجملة الخبرية) التي سأدافع عن صحتها هنا هي كالتالي: التفكير العلمي شرط ضروري لقيام أي مجتمع مدني.
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق