قراءة التاريخ السياسي العالمي تجلب الاكتئاب لذوي الدماء الزرقاء، فعدد الأنظمة الملكية في تناقص عبر التاريخ، وهذه هي سنّة الحياة، فالتاريخ لا يعيد إنتاج الملوك (ربما تكون إسبانيا الاستثناء الوحيد، وأما حالة البحرين فلا تعدو أن تكون مجرّد إعادة صياغة للألقاب)، وهذه الحقيقة ما فتئت تطرح سؤالاً ملحّاً أمام من تبقّى من ملوك العصر الحاضر: كيف يمكن الاستمرار في البقاء على قمة الهرم؟
في أوروبا، كان هناك من الملوك ممن أرادوا البقاء على قمة الهرم بأيّ ثمن، فكان لهم ما أرادوا بعد أن تنازلوا عن السلطة السياسية مع الاحتفاظ بالوجاهة الشكلية، وأمّا أولئك الملوك الذين طغوا واستكبروا، فكان مصيرهم أنْ لفظهم الشعب، وطواهم التاريخ، وصاروا نسياً منسيّا! تلك كانت نتيجة طبيعية لعملية تاريخية بدأت مع زلزال “التنوير الأوروبي” ومازالت مستمرة إلى عصرنا الحاضر، فالعقل الأوروبي شبّ عن الطوق منذ القرن الثامن عشر ولم يعد مستعدّا للخضوع لأيّ سلطة من دون تبرير مقنع، والتبريرات التقليدية لم تعد تنفع، فالحق الإلهي للملوك في الاحتفاظ بالسلطة أصبح مجرّد أسطورة لا تتناسب مع عقل ذي مزاج علماني، وخصال “الفروسية” و”الشهامة” و”الشجاعة”، أي خصال الملوك المؤسسين، ربما وافقت مزاج المجتمعات البدائية التي هي دوماً في حاجة إلى راعٍ يرعاها، لكنها لم تعد تصلح كمبرّرات مقنعة لاعتلاء السلطة في مجتمع مدنيّ حرّ ومتحضّر.
نعم، ربّما أزعجت قراءة تاريخ الأمس ملوك اليوم، لكنهم سيحسنون صنعا لأنفسهم ولشعوبهم لو أنهم تحاملوا على أنفسهم قليلاً وقرؤوا تاريخ الأنظمة الملكية، ولعلّ الأسر الملكيّة في منطقة الشرق الأوسط هي المعنيّة أكثر من غيرها في قراءة هذا التاريخ، ذلك أنّ بقاءها في السلطة هو إلى اللغز أقرب منه إلى أيّ شيء آخر، فهو بقاء يكاد يتحدّى حركة التاريخ!
لننظر، على سبيل المثال، إلى دول الخليج، ولنطرح السؤال التالي: كيف تمكنت الأسر الحاكمة في هذه الدول من الاستمرار في البقاء على هرم السلطة؟ هذا سؤال شائك جدّا، فالإجابة عنه تتطلّب أولاً النظر إلى الظروف الداخلية لكل دولة على حدة، وتتطلّب ثانياً تقسيم الحقبة الزمنية إلى ما قبل اكتشاف النفط وما بعده، وتتطلّب ثالثاً الوقوف على علاقة كل أسرة حاكمة على حدة مع القوى الكبرى التي هيمنت على منطقة الخليج لفترة زمنية طويلة، وبالأخص الإمبراطورية العثمانية وبريطانيا العظمى، لكن بإمكاننا أن نعثر على إجابة جزئية عن هذا السؤال من خلال التركيز على حالة الكويت في محاولة للتعرّف على الظروف الموضوعية التي ساهمت ولا تزال في بقاء الأسرة الحاكمة على قمة هرم الحكم طوال القرون الماضية، وهذا هو موضوعنا في المقال القادم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق