منذ زمن لم أحظَ برغبة حقيقية في الضحك، لكن اليوم تدمع العين من شدة الضحك، و"شرّ البليّة ما يُضحك" كما يقولون! أما البليّة فشرُّها أن الانتخابات القادمة تشبه الدنيا في عين ابن الوردي، فهي "تُخفض العالي وتُعلي من سَفَل"، وأما الضحك فله أسباب ليس من بينها ما يلي:
1- لا تدعو إلى الضحك دعوة تلفزيون الكويت المواطنين إلى المشاركة في الانتخابات، فهو تلفزيون لا يرقى حتى أن يكون جهازاً إعلامياً للدولة، بل مجرد بوق إعلامي للسلطة.
2- كما لا يدعو إلى الضحك الشعار الطاغي لأغلب المرشحين في الانتخابات القادمة، فشعار "طاعة وليّ الأمر" لا يرفعه إلا المفلس من أي شيء يستطيع تقديمه، والطاعة في هذه الحالة فيها تقاعس عن واجب تقديم- على الأقل- تصورات أولية حول مستقبل البلد، لكن يبدو أن أغلب المرشحين يعتقدون أن من اختصاصات ولي الأمر وضع التصورات المستقبلية، ومن واجبهم هم السمع والطاعة!
3- هل ينبغي الضحك عند معرفة أن هناك شريحة انتخابية ستشارك في الانتخابات القادمة لا لشيء إلا لمقاطعة نواب "الأغلبية" لها؟ إطلاقا، فأفراد هذه الشريحة لا يرون أبعد من أنوفهم، فلو خرجوا إلى المظاهرات لعرفوا من هو المحرك الرئيسي للحراك الشعبي، وهم لا يفكرون إلا بعد أن يملأوا بطونهم، ولو حاولوا التفكير قبل الأكل لتوصلوا إلى حقيقة أن جوع الكرامة أشد وطأة على النفوس من جوع البطون!
4- هل نضحك من كُتّاب السلطة وما يسطرون في صحفنا المحلية؟ ليس من الشهامة في شيء أن نضحك على مثل هؤلاء، فمن باع ضميره ينبغي أن يثير فينا الشفقة، لا السخرية، ومن باع وطنه خليق بنا أن نشمئز منه، لا أن نتهكم عليه، ومن هانت عليه كرامته السياسية أدعى أن نصد عنه، لا أن نلتفت إليه!
5- هناك أمر يستدعي الضحك فعلاً، لكن من الحكمة أن نكتم الضحكات حتى إشعار آخر لضرورات المرحلة الحالية، وهو أمر يشير إلى حقيقة أن اهتمام "المثقفين" بمعرض الكتب وتوقيع كتبهم أشد من اهتمامهم بالانتخابات القادمة! لكن الأزمات تصنع المثقفين، ومثقفونا لا يشعرون بوجود أزمة، لذا من حقهم علينا ألا نعكر عليهم صفو حفلات توقيع الكتب!
ما يثير الضحك فعلاً هو الدعوة إلى ضرورة (لاحظ، ضرورة) احترام الرأي الداعي إلى المشاركة في الانتخابات القادمة، بحجة أن احترام كل (لاحظ، كل) الآراء واجب مهما اختلفنا معها! حسناً، يُحكى أن رجلا عُرِف عنه التسامح الشديد مع من يختلف معهم في الرأي، والمبالغة الشديدة أيضاً في احترام آرائهم رغم رفضه لها، ثم حدث ذات مرة أنْ دخل في نقاش حاد مع شخص آخر، ليقول هذا الأخير: "أنت مجرد حشرة قاريّة"، فما كان من الرجل المتسامح إلا أن يجيب: "أنا أحترم وجهة نظرك، لكني معترض على فكرة أني مجرد حشرة قاريّة، ربما أكون حشرة كما تقول، لكني حتما لست حشرة قاريّة"!
الرأي، أي رأي، لا يكتسب احتراماً لمجرد أنه رأي، بل إن مسألة الاحترام متعلقة بمحتوى هذا الرأي، والرأي الداعي إلى المشاركة في الانتخابات لا يستحق الاحترام، لأن ضريبة هذا الاحترام هو النيل من كرامة المواطن، ولا يدفع هذه الضريبة إلا الذي لا يقدر نفسه حق قدرها!