يبدو أن الثورات العربية قد عززت من غريزة حب البقاء على هرم السلطة عند الأسر الحاكمة الخليجية بحيث أصبحت مكشوفة للجميع، كما لا يمكن فهم سلوك هذه الأسر تجاه الثورات العربية وتداعياتها بعيداً عن حرصها الجامح على بقاء الأوضاع على ما هي عليه.
إذا كانت غريزة حب البقاء على قيد الحياة سمة مشتركة بين الكائنات الحية، فإن غريزة حب البقاء على هرم السلطة سمة مشتركة بين الأنظمة الشمولية، ومن ضمنها الأنظمة السياسية في منطقة الخليج، ويبدو أن الثورات العربية قد عززت من هذه الغريزة عند الأسر الحاكمة الخليجية بحيث أصبحت مكشوفة للجميع، كما لا يمكن فهم سلوك هذه الأسر تجاه الثورات العربية وتداعياتها بعيداً عن حرصها الجامح على بقاء الأوضاع على ما هي عليه.
لننظر– على سبيل المثال– إلى تلك الدعوة التي وجهتها دول الخليج إلى كلّ من الأردن والمغرب في الانضمام إلى المنظومة الخليجية، وهي دعوة لها وظيفتان:
إعلامية، ولوجستية. أمّا الوظيفة الإعلامية فتهدف إلى دعم الحجة التي تقول إنّ الأنظمة الملكية أكثر استقراراً وديمومة من الأنظمة الجمهورية، وبقاء النظام الملكي في الأردن والمغرب من شأنه تعزيز مثل هذه الحجة.
وأمّا الوظيفة اللوجستية فتتمثل بالحصول على الخبرات المغربية والأردنية لتطويع الشعوب الخليجية كلما دعت الحاجة إلى ذلك!
بعد أن اجتاحت الثورات العربية دولاً كبيرة في المنطقة، كانت أمام الأسر الحاكمة الخليجية فرصة ذهبية لإعادة العلاقة مع شعوبها على أسس جديدة، أسس من شأنها ضمان استقرار الأنظمة السياسية مع حفظ كرامة شعوبها، أسس تضمن المشاركة الشعبية الواسعة في صنع القرار السياسي مع ضمان الاحترام التقليدي للأسر الحاكمة، أسس تجعل من شعار "مصيرنا واحد" شعاراً مرتبطاً بالشعوب الخليجية في المقام الأول، لا شعاراً مقتصراً على الأسر الحاكمة أولاً وأخيراً!
لكن– مع الأسف الشديد– ضاعت هذه الفرصة الذهبية أو كادت تضيع بعد أن تشبثت الأنظمة الخليجية بغريزة حب البقاء حتى جاء سلوكها السياسي في الآونة الأخيرة معبّراً بوضوح عن تلك الغريزة الأنانية، فإلى جانب الدعوة الخليجية المشبوهة لكل من الأردن والمغرب إلى الانضمام إلى "المصير الخليجي"، قدّمت الدول الخليجية الفاعلة مساعدات مالية ضخمة لكل من البحرين وعمان لضمان استقرار الأوضاع هناك على ما هي عليه، رغم المطالبات الشعبية الواسعة في المزيد من الديمقراطية، كما رفعت الأسر الحاكمة الخليجية شعار الانتقال من التعاون إلى الاتحاد، ثم جاء دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين ليؤكد حقيقة أن التعاون والاتحاد الخليجيين متعلقان فقط بمصير الأسر الحاكمة، لا مصير شعوبها!
بالأمس، لعبت دول الخليج دور الوسيط في اليمن لضمان انتقال سلمي للسلطة لا يهدد استقرار الأنظمة الملكية المجاورة، من دون أدنى اعتبار لآمال الشعب اليمني وتضحياته في سبيل تنظيم البيت اليمني بطريقة تحفظ للشعب هناك كرامته وحريته، واليوم تبعث دول الخليج بالاتفاقية الأمنية الحياة من جديد للأسباب ذاتها، وإنها لمفارقة مؤلمة أن تردد الشعوب الخليجية مراراً وتكراراً أن مصيرها ومصير حكّامها مصير واحد، بينما تصر الأسر الحاكمة الخليجية على أن مصيرها شيء، ومصير شعوبها شيء آخر مختلف تماماً!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق