دستور الكويت مليء بالعجائب، وإحدى هذه العجائب هي مسألة طرح الثقة بالوزراء، إذ كيف يطرح الشعب، من خلال نوّاب البرلمان، الثقة في وزير لم يمنحه الشعب أصلا الثقة في الوصول إلى كرسي الوزارة؟ اعتاد الوزراء منذ اليوم الأول من تسلّمهم الوزارة ترديد عبارة: "نشكر صاحب السمو على هذه الثقة الغالية"، لكن ليس بوسع أي وزير أن يوجه شكره إلى الشعب، فالدستور لا يمنح الشعب الكلمة الأخيرة في تشكيل الوزارة، والحق أنّ الكويت لم تشهد طوال تاريخها السياسي حكومة برلمانية منتخبة، حكومة ديمقراطية شرعية، حكومة تحظى بثقة الشعب وتحسب له ألف حساب! لكن لماذا نريد حكومة برلمانية منتخبة؟
أولاً، هناك سبب يتعلق بقوانين الاحتمال الرياضية، فمن جهة، فرصة حسن اختيار طاقم الوزارة من قبل فرد واحد أقل بكثير من فرصة حسن اختيارها من قبل شعب بأكمله، ومن جهة أخرى، فرصة اختيار رئيس وزراء ناجح من ضمن أفراد أسرة الحكم أقل بكثير من فرصة اختياره من ضمن أفراد الشعب كافة، خصوصا أنّ التاريخ يشهد على حقيقة أن أسرة الحكم قلّما جادت برئيس وزراء يتمتع بالحد الأدنى من الحصافة السياسية!
ثانياً، هناك سبب براغماتي صرف، فبينما تسهل إعادة النظر في رئيس وزراء منتخب من خلال العملية الديمقراطية، قد تتطلب إعادة النظر في رئيس وزراء معيّن خروج الناس إلى الشارع بعد أن يعجز البرلمان عن تحقيق التغيير المنشود، وهذا ما تشهد به الحكومات المتعاقبة لرئيس الوزراء السابق.
ثالثا، هناك سبب يتعلق بطبيعة الصراع السياسي في النظم الديمقراطية، ففي ظلّ التدوال السلمي للسلطة، تتبدّل الأدوار على الدوام بطريقة من شأنها إضفاء الحيوية على الصراع السياسي من جهة، وإتاحة الفرصة للشعب في أن يلعب دورا جوهريا في هذا الصراع من جهة أخرى، لكن في ظل الوضع الحالي، يبقى الصراع السياسي جامدا وبعيدا عن إرادة الشعب، فالأدوار السياسية لا تتبدّل إلا من طرف واحد، فالحكومة هي الحكومة حتى إن اختلفت الأسماء، إنها ببساطة حكومة السلطة!
رابعاً، هناك سبب يتعلّق بطبيعة برنامج الحكومة، ففي ظل الوضع القائم، البرنامج الحكومي (إنْ وُجِد) كان ولا يزال مجرد ردة فعل على طبيعة التشكيل النيابي، فهو برنامج لا يهتم بتحقيق الإنجاز بقدر اهتمامه بالتعامل مع الدور الرقابي لمجلس الأمة، وهو دور– كما ذكرنا سابقا- غير مبرر منطقيا في ظل وجود حكومة غير منتخبة، لكن عند قيام حكومة برلمانية منتخبة، يصبح المعيار متعلقا بشكل مباشر بمدى نجاح الحكومة في تحقيق برنامجها السياسي.
أخيراً، هناك سبب متعلق بمستقبل الكويت واستقرارها في ظل الأوضاع الإقليمية المتغيرة، فالمرحلة الحالية لا تتطلب وجود توازن عادل بين السلطة والشعب فحسب، بل مشاركة حقيقية للشعب في صنع القرار واختيار من يمثله في كلّ من البرلمان ومجلس الوزراء، ولا يضمن وجود مثل هذا التوازن إلا النظام البرلماني الكامل، وهذا تحديدا ما يناضل من أجله الشباب الكويتي الواعي، وليتذكر الجميع أنّ الشباب غير معنيّ باحترام الاتفاق التاريخي على الحد الأدنى من الديمقراطية والمتمثل بدستور 62، لأن شباب اليوم- بطبيعة الحال- لم يكونوا طرفا في ذلك الاتفاق.
ملاحظة حول افتتاحية جريدة «الجريدة»:
من يقرأ الافتتاحية الأخيرة لجريدة "الجريدة" في تاريخ 12 ديسمبر بعد التشكيل الوزاري، ثم يقارنها بافتتاحيتها في تاريخ 4 ديسمبر بعد التشكيل النيابي، لا يلاحظ وجود تناقض صارخ بين الافتتاحيتين فحسب، بل يشعر بأن الرسالة المراد إيصالها في الافتتاحية الأخيرة هي من قبيل: "حصل خير يا جماعة، وحنّا عيال اليوم"!