منذ أن صدر المرسوم الأميري القاضي بتعديل قانون الانتخاب، انقلبت الأوضاع في الكويت رأسا على عقب، بل إن الأمور تزداد سوءا مع الأسف الشديد، فالمظاهرات الشعبية تتفاقم عنفا، والاعتقالات السياسية تزداد عددا، والنعرات الطائفية تتعاظم شراسة، وبالرغم من كلّ ذلك تستمر السلطة في لا مبالاتها إزاء ما يجري، وكأنّ على عينيها غشاوة فهي لا ترى، وكأنّ في مسامعها وقراً فهي لا تسمع، وكأنّ فوق لسانها خرساً فهي لا تتكلم.
إنّ الخيار الأمني لن يزيد الأمور تعقيداً فحسب، بل إنّه يدقّ إسفيناً بين الشعب والنظام، وعلى السلطة أن تعي أنّ للمنازل حُرمتها، وللناس كرامتها، وللشعوب إرادتها، وإلّا فإن رصيدها من احترام هذا الشعب الوفيّ لها لن يزداد إلّا تناقصا.
سخّرت الحكومة الأموال الطائلة لإنجاح المرسوم وحثّ الناخبين على المشاركة في الانتخابات، لكنّ الشعب أراد إسقاط المرسوم ومقاطعة الانتخابات، فكان للشعب ما أراد، فالمرسوم سقط شعبيا بعد المسيرات الشعبية الضخمة التي شهدتها الكويت مؤخرا، والانتخابات الأخيرة سجّلت أقلّ نسبة مشاركة في تاريخ انتخابات مجلس الأمة، وسيأتي اليوم الذي ننتخب فيه من يمثلنا تمثيلا حقيقيا، لا تحت قبة البرلمان فحسب، بل في مجلس الوزراء أيضا، فالشعب أراد، والشعب يفعل ما يريد، شاءت السلطة أم أبت.
كسرتم الصمت الانتخابي فسخرتم أبواقكم الإعلامية لحث الناس على المشاركة في انتخابات غير شرعية، وزوّرتم الحقائق لإنجاح المرسوم رغم الرفض الواضح من قبل أغلبية الشعب الكويتي، لكن هذا الشعب أراد، والشعب يفعل ما يريد، شاءت السلطة أم أبت.
رفعتم شعار "طاعة وليّ الأمر"، وسخرتم منابر المساجد لخدمة أجندتكم السياسية، وحاولتم تخويف الناس من غضب الله وعقابه، وأمرتم مشايخ البلاط فتوالت الفتاوى الدينية الواحدة تلوى الأخرى، لكن الشعب أراد، والشعب يفعل ما يريد، شاءت السلطة أم أبت.
إذا كان حبّكم لاحتكار السلطة شديدا، فإن حبّ هذا الشعب لوطنه أشد، وإذا كان حرصكم على كنز الأموال كبيرا، فإن حرص هذا الشعب على كرامته أكبر، وإذا كانت إرادتكم قوية، فإن إرادة هذا الشعب أقوى، فلا تعاندوا شعبا إذا قال فعل.
ملاحظتان على هامش الانتخابات الأخيرة:
1- يتذاكى البعض– ومنهم، مع الأسف، متخصصون في علم الرياضيّات– من خلال الإصرار على حساب نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة قياسا إلى نسبة المشاركة في الانتخابات قبل الأخيرة، ولتبيان تهافت هذه الحجة، يكفي أن نتخيّل السيناريو التالي: لنفترض أن نسبة المشاركة في الانتخابات قبل الأخيرة هي واحد في المئة فقط، بينما نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة هي نصف في المئة، ففي هذه الحالة ستكون نسبة المشاركة "الفعلية" في الانتخابات الأخيرة- حسب زعم أصحاب هذه الحجة الواهية- هي 50 في المئة، أي أن امتناع حوالي 99.5 في المئة من الناخبين عن التصويت لأي سبب كان لا يثير القلق، فالنصف في المئة في عيون هؤلاء المتذاكين سيساوي 50 في المئة! الحجة واهية لسبب آخر أيضا: لنقلب السيناريو السابق ونفترض أنّ نسبة المشاركة في الانتخابات قبل الأخيرة هي نصف في المئة فقط، بينما نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة هي واحد في المئة، ففي هذه الحالة ستكون نسبة المشاركة "الفعلية"- حسب زعم أصحاب هذه الحجة الواهية- هي 200 في المئة، فهل سمعتم عن انتخابات لها نسبة مشاركة بهذا الشكل؟ هل ذهب المقترعون إلى صناديق الاقتراع مرتين، مثلا؟!
2- مقاطعة الانتخابات نجحت بامتياز، لكن على التيارات السياسية المقاطِعة أن تنسجم مع نفسها ولا تشارك في الحكومة القادمة بأي شكل من الأشكال، فالمشاركة في هذه الحالة هي انتحار سياسي، كما أنها تكشف عن موقف انتهازي لا أخلاقي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق