معركة اليوم هي معركة مباشرة مع السلطة، فالمواطن أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يكون موالياً للسلطة، وإما أن يكون معارضاً لها. هذه ليست ثنائية مزيّفة، فليس هناك خيار وسط بين الموت والحياة، بين الذل والكرامة، بين القبول والرفض.
عندما تنفرد السلطة بالقرار السياسي، وتقمع الناس وتحط من كرامتهم، وتعتقل المتظاهرين وتروّع الآمنين، فإنّ الهمس كحلّ وسط بين الكلام والصمت لن يكون مقبولاً، على الأقل من الناحية الأخلاقية، فإما أن تصدح بالحق محتجاً على انتهاك كرامة الناس والحط من قدرهم، وإما أن تلوذ بالصمت وتتوارى خجلاً!
لم يعد من المجدي أن تقول: "أنا أرفض نهج السلطة، ولكن...."، فكل ما يأتي بعد هذا الاستدراك ينتمي إلى معارك الغد، لا إلى معركة اليوم، ذلك أن التفرغ للمد الرجعي المتمثل بالنزعات الطائفية والقبلية، والتصدي للإسلام السياسي المتمثل بالحركات والتجمعات الدينية، ومقاومة الرأسمالية المتوحشة المتمثلة بحفنة من البؤر التجارية، كل هذه الأمور من نتاج السلطة، وكلها معارك مستحقة، لكنها معارك مؤجلة، فاليوم لا بد من تضافر الجهود لإرساء نظام ديمقراطي حقيقي يشكل إطاراً لمعارك قادمة.
هناك تخاذل غير مقبول تجاه ما يجري، فالتجار مشغولون في تجارتهم، والمثقفون مشغولون في "إبداعاتهم"، والموظفون مشغولون في رواتبهم، والرياضيون مشغولون في انتصاراتهم، بل إن شريحة كبيرة من الناشطين السياسيين مشغولون في إبراز بطولاتهم الزائفة على حساب تضحيات السواد الأعظم من الشباب الكويتي، وهم بذلك يتناسون أن معركة اليوم تتطلب نكران الذات أكثر من شيء آخر!
قد تنجح السلطة في إجبار العبيد على الاعتقاد بأنهم أحرار، فتتظاهر باحترام الدستور، وتخلق مجلساً صوريا، وتحتضن إعلاماً مزيفاً، لكن العبيد يبقون عبيداً مع ذلك، حتى لو خالوا أنفسهم أحراراً، فالحرية ليست منحة الحاكم للمحكوم، بل ديْن للمحكوم على الحاكم، ومعركة اليوم هي معركة استرجاع الديْن، فما أضيق العيش في وطن لا حرية فيه، وما أتعسنا إذا لم ننتصر لحرية هذا الوطن وكرامته.