الديمقراطية والملكية نقيضان لا يجتمعان، فالأولى قائمة على مبدأ الاختيار، والثانية قائمة على مبدأ الحتمية. هذا الفارق مفرط في العمومية، لذا وجب أن نفصّل فيه بعض الشيء.
أولاً، عدد الأصوات مسألة جوهرية لتحديد هوية الرئيس الديمقراطي للدولة، بينما نوعية النسل أمر حيوي لتحديد هوية من يجلس على العرش. ثانياً، الرئيس الديمقراطي يُحاسب من قِبل شعبه، أما الملك فحسابه عند الله! ثالثاً، الرئيس المنتخب يصيب ويخطئ، فإن أصاب ازدادت فرصة ترشيحه لولاية أخرى، وإن أخطأ تضاءلت هذه الفرصة، وأما الملك فيبقى ملكاً بصرف النظر عن قيمة الصواب لأفعاله، فهو لا يخطئ أبداً، بل يصحح أخطاء الآخرين! أخيراً، رغبات الرئيس المنتخب مشروعات تحتمل الفشل، ورغبات الملك أوامر تسلتزم التنفيذ.
هل هذا يعني أن الملكية مُرادفة للدكتاتورية؟ ليس بالضرورة، لكن من الصعب وَصْف مَن جاء إلى السلطة عن طريق النسل بالرئيس الديمقراطي، كما أن نوعية النسل لا تضمن أن يخلف الحاكم العادل حاكم عادل، فالعدل صفة مكتسبة، والصفات المكتسبة لا تُورّث كما يقول المتخصصون في علم الأحياء.
لكن ماذا عن مفهوم "المستبد العادل" في تراثنا العربي؟ إذا صرفنا النظر عما يعتري هذا المفهوم من تناقض اصطلاحي (إذ يبدو لي أن احتمالية العثور على مستبد عادل أشبه باحتمالية العثور على مربع دائري!)، فإن ما يعنينا هنا هو مدى قدرة هذا المفهوم على تقديم حل وسط أو نقطة التقاء بين الملكية والديمقراطية؟
لو كانت الديمقراطية تستمد شرعيتها من تطبيق العدل لما كان هناك اختلاف جوهري بينها وبين الاستبداد العادل، ولكن الديمقراطية- كما هو معروف- لا تؤدي بالضرورة إلى نتائج عادلة. إن جوهر الديمقراطية هو منح الجميع حق الاختيار، وهي بذلك تجعل المسؤولية مشتركة، على العكس تماماً من الاستبداد الذي يلقي بالمسؤولية كاملة على عاتق فرد واحد، ذلك أن لا أحد غير المستبد يملك حق الاختيار.
الملكية نتاج التاريخ، والديمقراطية نتاج الشعوب، لهذا فإن معظم الشعوب دخلت في صراع مرير مع تاريخها، فبعضها تعاظم حتى انتزع حقه في كتابة تاريخه بنفسه، وبعضها تقاسم هذا الحق مع ملوكه وأسياده، وبعضها تصاغر فناول صاحب الجلالة الريشة والمحبرة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق