إن دفاع المستشار عن القضاء دفاع مبرر ومشروع أيضاً، لكنه يبقى دفاعاً منقوصاً، فالمستشار اكتفى بالردّ على من يقيسون نزاهة القضاء من خلال نتائج أحكامه، لكنه لم يتطرق على الإطلاق إلى أولئك الذين ينتقدون الآلية التي تُبنى بواسطتها أحكام القضاء، وأبسط الأسئلة المتعلقة بهذه الآلية هي تلك التي تشير إلى مدى استقلالية القضاء الكويتي مالياً وإدارياً عن السلطة التنفيذية.
في حديث له مع "الجريدة" في عددها الصادر يوم أمس، دافع المستشار فيصل المرشد عن القضاء الكويتي، مؤكداً أنه قضاء "يشهد له الأجنبي قبل ابن البلد"، كما انتقد الهجوم الذي يشنه البعض على القضاء، مشيراً إلى حقيقة أن "البعض إذا صدر حكم يضرّه، ذمّ القضاء وقدح فيه، وإذا صدر الحكم لمصلحته، مدح القضاء"!
في مقال سابق، أشرنا إلى حقيقة أن نزاهة القضاء لا تقاس بنتائج أحكامه، بل بفحص الآلية التي يصل القضاء من خلالها إلى تلك الأحكام، ومن هنا فإن دفاع المستشار عن القضاء دفاع مبرر ومشروع أيضاً، لكنه يبقى دفاعاً منقوصاً، فالمستشار اكتفى بالردّ على من يقيسون نزاهة القضاء من خلال نتائج أحكامه، لكنه لم يتطرق على الإطلاق إلى أولئك الذين ينتقدون الآلية التي تُبنى بواسطتها أحكام القضاء، وأبسط الأسئلة المتعلقة بهذه الآلية هي تلك التي تشير إلى مدى استقلالية القضاء الكويتي مالياً وإدارياً عن السلطة التنفيذية.
كان بودّنا أن نسمع من سعادة المستشار رأيه، مثلاً، في المادة (16) من قانون تنظيم القضاء، وهي المادة التي تجعل من وكيل وزارة العدل عضواً في مجلس القضاء الأعلى، أو في المادة (35) من القانون نفسه التي تنص على أن "لوزير العدل حقّ الإشراف على القضاء". هل من شأن مثل هذه القوانين بعث الطمأنينة في قلوب المواطنين حول الآلية التي يصل القضاء من خلالها إلى أحكامه؟ أليس وجود مثل هذه القوانين هو المسؤول المباشر عن صدور أحكام متباينة في قضايا متشابهة؟
يقول المستشار في حديثه إن "القضاء لن يلتفت إلى الأصوات التي تهاجم الأحكام القضائية"، وفي هذا القول إغفال لحقيقة أن ما يوصف بهجوم على القضاء وأحكامه قد يكون في واقع الأمر دفاعاً عنه وعن مكانته، فالمطالبة باستقلالية القضاء هي في حقيقة الأمر مطالبة بأن يكون القاضي المسؤول الأول والأخير عن الأحكام التي يصدرها، لا أن تكون هذه المسؤولية مشتركة بين السلطة القضائية والسلطة والتنفيذية.
أمّا عن القول بأن القضاء الكويتي "يشهد له الأجنبي قبل ابن البلد" فهي حجة تمنيت لو أن المستشار لم يستند إليها في دفاعه عن القضاء، إذ إن شهادة الأجنبي على شيء ليست دليلاً على سلامته، وبالنظر إلى تاريخ المنطقة العربية، فإن شهادة الأجنبي على شيء أدعى إلى التشكيك فيه من التصديق به، خصوصاً إذا كان هذا الأجنبي عبارة عن وفد من وفود وزارة الخارجية الأميركية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق