الأمير الراحل "عبدالله السالم" معروف بلقب "أبو الدستور" بين أوساط الكويتيين، وأمّا "أمير ويلز" فهو اللقب الذي كان يطلقه على نفسه بين أوساط البريطانيين، ربما للتأكيد على حقه في أن يكون خلفا للشيخ أحمد الجابر في اعتلاء مسند الإمارة. هناك شبه إجماع وطني على الدور الإيجابي للأمير الراحل عبدالله السالم في استقلال الكويت وإرساء الديموقراطية وبناء الدولة الحديثة، لكن أريد من خلال هذا المقال أن أرسم ملامح صورة مغايرة لهذا الأمير، وأما تفاصيل هذه الصورة فقد أتناولها في مقالات لاحقة.
سبق أن أشرنا في مقال سابق إلى حقيقة أنّ استقلال الكويت فرضته ظروف موضوعية معينة في حقبة زمنية محددة، منها على سبيل المثال تضاؤل الهيمنة البريطانية على الساحة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، وتعاظم تأثير البروباغندا الناصرية على شعوب دول الخليج، وتزايد الحركات الشعبية العالمية المناهضة للإمبريالية، ولم تكن مثل هذه الظروف الموضوعية تتعلق إطلاقا بهوية من يجلس على عرش الإمارة، ولو كان الفضل في استقلال الكويت يعود بمجمله إلى عبدالله السالم لما أمكن تفسير حقيقة أنّ الاستقلال جاء بعد مضيّ أكثر من عقد من الزمن على تولّيه حكم الإمارة!
إنّ الديموقراطية المنقوصة التي نعيشها اليوم نتيجة طبيعية للسياسة الداخلية التي رسمها البريطانيون وقام بتنفيذها عبدالله السالم، وهي ديموقراطية تصفها المذكرّة التفسيرية لدستور دولة الكويت بأنها"طريق وسط بين النظامين البرلماني والرئاسي"، بمعنى آخر، هي ديموقراطية تهدف إلى إيجاد توازن بين حكم الشعب وحكم الأسرة، بين الديموقراطية والأوتوقراطية، بين حق الاختيار وواجب الطاعة! لعلّما يؤكّد ذلك كلّه هو أنّ المذكرة التفسيرية تشير إلى أنّ الهدف من ذلك التوازن في نظام الحكم هو "الحرص على وحدة الوطن واستقرار الحكم"، مما يعني أنّ هناك افتراضا ضمنيا مفاده أنّ وحدة الوطن واستقرار الحكم صيغتان متناقضتان لا يمكن الجمع بينهما، بل التوفيق فيما بينهما، أو بعبارة أخرى أكثر وضوحا، هناك من يعتقد أنّ الديموقراطية الحقيقية من شأنها الإضرار بوحدة الوطن!
ماذا عن دور عبدالله السالم في بناء الدولة الحديثة؟ إذا كان المقصود بالدولة الحديثة تلك التي تهتمّ ببناء البنى التحتية، ورفع مستوى المعيشة، والقضاء على الفقر والجهل، فإنّ دور الأمير الراحل عبدالله السالم لا ينكره إلاّ جاحد، لكن إذا كان المقصود بالدولة الحديثة تلك التي تحرص على مبدأ العدالة الاجتماعية، وخلق فرص عمل حقيقية، وتهذيب الجانب الروحي للإنسان، فإنّ دور الأمير الراحل في ذلك كلّه كان سلبيا للغاية، ففي عهده شهدت الكويت أكبر توزيع غير عادل للثروة من خلال سياسة تثمين الأراضي، وبفضله أصبحت الوظيفة الحكومية مجرّد معيار يتم من خلاله معرفة حصّة كل مواطن من الثروة النفطية، وأثناء حكمه إنما بدأت سياسة تشجيع الاستهلاك المحموم الذي لم يبرأ الإنسان الكويتي منه إلى هذه اللحظة.
باختصار، وبالرغم من كل ما قيل حول دوره الإيجابي في استقلال الكويت وإرساء الديموقراطية وبناء الدولة الحديثة، لم يكن الأمير الراحل عبدالله السالم إلى مشروع الدولة أقرب منه إلى مشروع الحكم، بل على العكس من ذلك تماماً.